أقلام

سوق بيتا.. اقتصاد محلي تحت مرمى النار

اتت بلدية بيتا في الضفة الغربية في مرمى نيران الاحتلال الإسرائيلي بعد الأضرار التي لحقت بالسوق المحلي، نتيجة ملاحقات قوات الاحتلال للمسلحين، وقدرت البلدية تكلفة إصلاح الأضرار بأكثر من أربعة ملايين شيكل، في مشهد يختصر معاناة مدينة صغيرة دفعت فاتورة باهظة من استقرارها الاقتصادي والاجتماعي.

السوق المركزي في بيتا ليس مجرد مساحة للبيع والشراء، بل يمثل القلب النابض لحياة آلاف العائلات التي تعتمد عليه في معيشتها اليومية، ومع تضرره بشكل كبير، يجد التجار والمستهلكون أنفسهم أمام واقع قاسٍ، يهدد مصادر رزقهم ويضعف عجلة الاقتصاد المحلي.

وبحسب البلدية، فإن الخسائر المادية لا تختصر على المباني والمحلات، بل تشمل أيضاً تعطيل الحركة التجارية وفقدان ثقة الزبائن في العودة سريعاً إلى السوق، وهو ما يضاعف حجم الخسارة ويجعل آثارها تمتد لسنوات.

في هذا السياق، يصف أحد التجار ما حدث بأنه “نكبة اقتصادية صغيرة”، موضحاً أن عشرات الأسر خسرت مصادر دخلها فجأة، وأن العودة إلى النشاط الطبيعي تحتاج إلى استثمارات ودعم خارجي، وهو أمر غير مضمون في ظل الظروف الحالية.

أيضا الأزمة لم تتوقف عند حدود الأضرار المادية، بل تركت أثراً نفسياً واضحاً على السكان، فالكثير من الأهالي باتوا يخشون التوجه إلى السوق خشية تكرار المواجهات، ما يعمق حالة الركود ويفتح الباب أمام تراجع الثقة في استقرار المنطقة.

ومن زاوية أخرى، يحمل السكان جزءاً من المسؤولية للمسلحين الذين يتخذون من المناطق التجارية المكتظة ساحة لمواجهة الاحتلال، مطالبين إياهم بالتحلي بالحكمة وتجنب استدراج القوات إلى أحياء تعج بالمدنيين، ويعكس هذا الموقف الشعبي وعياً متزايداً بخطورة المشهد، إذ يرى الأهالي أن صمود المجتمع لا يقاس فقط بالتصدي العسكري، بل أيضاً بقدرة الاقتصاد المحلي على البقاء حياً وضامناً لاستمرار الحياة.

وفي المقابل، يمكن اعتبار الحادثة مثالاً صارخاً على هشاشة البنية الاقتصادية الفلسطينية تحت الاحتلال، حيث يمكن لعملية عسكرية قصيرة أن تمحو جهود سنوات من التنمية المحلية، ويرى هؤلاء أن تعويض الخسائر يحتاج إلى تدخل حكومي ودولي سريع، لأن السوق في بيتا ليس مجرد مشروع محلي، بل حلقة ضمن سلسلة اقتصادية أوسع تغذي القرى المحيطة وتشكل شبكة تبادل أساسية في المنطقة.

ربما أيضا قد تفتح الأضرار الأخيرة الباب لمبادرات تضامنية، سواء من القطاع الخاص الفلسطيني أو من مؤسسات المجتمع المدني، لتخفيف العبء عن التجار وتعزيز صمودهم في مواجهة السياسات الإسرائيلية.

أما على المستوى السياسي، فإن ما جرى يبرز مجدداً كيف تتحول المراكز المدنية والتجارية إلى مسرح لصراع غير متكافئ، حيث يدفع المدنيون الثمن الأكبر بينما يظل الاحتلال يفرض معادلاته الأمنية على حساب الاستقرار الاقتصادي، فتجارب مدن فلسطينية أخرى، مثل نابلس والخليل، تظهر أن الأسواق الشعبية كثيراً ما تكون ضحية مباشرة للاقتحامات، لكن بعضها استطاع استعادة عافيته عبر دعم جماعي وحملات إعادة إعمار، وهو ما يأمل أهالي بيتا تكراره.

مع ذلك، يبقى السؤال مفتوحاً: كيف يمكن لمدينة صغيرة أن تحافظ على نبض اقتصادها المحلي في ظل بيئة أمنية غير مستقرة، حيث كل مواجهة قد تتحول إلى انتكاسة جديدة تدفع ثمنها الأسر والتجار؟

وفي انتظار الإجابة، يقف سوق بيتا شاهداً على هشاشة الحياة اليومية تحت الاحتلال، ودليلاً آخر على أن الصراع لا يقتصر على ميادين القتال، بل يمتد إلى أرصفة المتاجر وأبواب المحال، حيث يبحث الناس عن أبسط مقومات العيش الكريم.

أمينة خليفة

زر الذهاب إلى الأعلى