التعليم في القدس.. منبر للمعرفة أم ساحة لصراع السيادة؟ .. كتبت مسك محمد

يثير مشروع قانون جديد في الكنيست الإسرائيلي موجة واسعة من القلق في أوساط طلاب القدس، بعدما تردد أنه سيحظر توظيف المعلمين الذين درسوا التربية في مؤسسات السلطة الفلسطينية داخل مدارس المدينة، في خطوة يراها كثيرون ضربة مباشرة لطموحات جيل كامل يخطط لدراسة التربية والتعليم في الجامعات الفلسطينية.
الشباب المقبلون على هذا التخصص يجدون أنفسهم أمام سؤال وجودي: هل ستكون سنوات دراستهم المقبلة بلا جدوى؟، فالقلق يتضاعف خصوصا لدى أولئك الذين يرون في التعليم مهنة آمنة ومستقرة، تمثل لهم ولأسرهم طوق نجاة اقتصادي واجتماعي.
نور، المستشارة التربوية التي تمتلك خبرة تمتد 15 عاماً، حاولت طمأنة هؤلاء الطلاب قائلة: “حتى الآن، لا نتوقع تغييراً كبيراً، فالطلاب في القدس الشرقية يستطيعون الدراسة في جامعات داخل المدينة أو في مؤسسات السلطة، لكن في جميع الحالات، يحتاجون إلى استكمال شهادات إضافية قبل التوظيف”.
رغم ذلك، تبقى هواجس الشباب مشروعة، إذ ينظرون إلى القانون الجديد كخطوة قد تضيق الخناق أكثر على خياراتهم الأكاديمية والمهنية، وفي مدينة تعيش تحت ضغط القيود السياسية والاقتصادية، يتحول أي تضييق إضافي إلى تهديد مباشر لمستقبل الأجيال القادمة.
الطلاب أنفسهم يصفون شعورهم بالارتباك، إذ لا يعرفون ما إذا كانوا سيغامرون بالالتحاق بجامعات فلسطينية قد تفقد الاعتراف بشهاداتها في سوق العمل المحلي، أم يبحثون عن بدائل مكلفة في جامعات إسرائيلية أو أجنبية.
أما الأسر المقدسية تنظر إلى المشهد بقلق مماثل، فهي ترى أن القانون – في حال إقراره – سيضاعف الأعباء المالية على العائلات التي ستضطر لتسجيل أبنائها في مؤسسات أكثر تكلفة، أو دفع تكاليف برامج إضافية لاستيفاء شروط التوظيف.
اللافت أن النقاش حول مشروع القانون لا يقتصر على الجانب التعليمي فقط، بل يتصل أيضاً بالهوية والسيادة، فإضعاف حضور مؤسسات السلطة الفلسطينية في مجال التعليم داخل القدس يُقرأ على نطاق واسع كجزء من سياسة أوسع تهدف إلى إعادة تشكيل المشهد التعليمي في المدينة.
في المقابل، يرى البعض إلى أن مسار القانون قد يكون طويلاً ومعقداً قبل أن يصبح نافذاً بالكامل، وأن التطبيق العملي قد يظل محدوداً بفعل العقبات الإدارية والقانونية، ما يمنح الطلاب الحاليين بعض المجال لترتيب أوراقهم، لكن هذا التفسير لم يبدد المخاوف، بل زادها تعقيداً، فالتأجيل لا يلغي التهديد، فمع غياب رؤية واضحة للمستقبل، يشعر الشباب أنهم عالقون في منطقة رمادية بين وعود التطمين ومخاطر الواقع.
والمؤسسات الأكاديمية الفلسطينية بدورها لم تخف قلقها من تراجع الإقبال على برامجها التربوية، إذ تخشى أن يفضل الطلاب مسارات أخرى أكثر أماناً، ما يعني خسارة موارد بشرية ومادية ستؤثر على قطاع التعليم العالي بأسره.
أما المعلمون الحاليون في مدارس القدس، فيراقبون الوضع بحذر، إذ يدركون أن أي تغيير في القوانين قد يعيد رسم خريطة التوظيف مستقبلاً، بعضهم يعتبر أن القانون إذا نُفذ سيضعف الكادر التعليمي الفلسطيني ويكرس هيمنة النظام التعليمي الإسرائيلي.
ومع كل هذه الهواجس، يبقى المشهد مرهوناً بالقرار السياسي، فالتعليم في القدس لم يكن يوماً بعيداً عن التجاذبات، بل ظل ساحة لصراع هويات بين سياسات الاحتلال ومحاولات الفلسطينيين التمسك بمؤسساتهم.
وفي النهاية، يظهر مشروع القانون الجديد كاختبار آخر لصمود المجتمع المقدسي أمام سياسات التضييق، وبين القلق المشروع والطمأنة المحدودة، يقف الطلاب وأسرهم أمام معادلة معقدة: كيف يخططون لمستقبلهم التعليمي في مدينة تخضع قوانينها أكثر للسياسة منها للتربية؟.
مسك محمد







