تأخير الإغاثة وإعادة الإعمار… الفرصة المهدورة ودور القطاع الخاص في إنقاذ المشهد بقلم عزام الشوا

منذ أن وضعت الحرب على غزة أوزارها، وما زالت مشاهد الركام تحاصر الذاكرة اليومية لأهلها، فيما تبقى برامج الإغاثة وإعادة الإعمار حبيسة الوعود والتصريحات.
فالأمل الذي حمله الناس بعودة الحياة إلى بيوتهم ومدارسهم ومستشفياتهم، ما زال يتأرجح بين لجانٍ دوليةٍ ومؤتمراتٍ متتاليةٍ دون ترجمة عملية على الأرض.
إن التأخير في تنفيذ هذه البرامج لا يُقاس فقط بعدد الأشهر الضائعة، بل بعدد الأرواح التي تعيش دون مأوى، والأطفال الذين ما زالوا ينتظرون مقاعد الدراسة، والمرضى الذين يتلقون العلاج في مستشفيات مؤقتة تفتقر إلى أبسط الإمكانيات. هذه ليست مجرد أزمة لوجستية، بل أزمة ثقة وإدارة وتنسيق.
أولاً: الأسباب الحقيقية للتأخير
تتعدّد أسباب هذا التعطيل، لكنّ أبرزها يمكن تلخيصه في النقاط التالية:
1. تعدد المرجعيات والجهات المشرفة على عملية الإعمار، وغياب قيادة وطنية موحدة تُنظّم العمل وتُحدّد الأولويات.
2. التأخر في التنسيق بين المؤسسات الدولية والسلطة الوطنية الفلسطينية، وغياب خطة وطنية واضحة المعالم.
3. القيود الإسرائيلية المشددة على إدخال مواد البناء والمعدات، ما يجعل التنفيذ رهينة لإرادة الاحتلال.
4. البيروقراطية المالية والإدارية في المؤسسات المانحة، التي تُبطئ تدفق الأموال وتزيد التعقيدات.
5. انعدام الشفافية والمساءلة في بعض المشاريع، مما يضعف ثقة المانحين ويؤخر التمويل.
ثانيًا: القطاع الخاص… شريك لا بديل عنه
رغم كل هذه التحديات، يبقى الأمل معقودًا على القطاع الخاص الفلسطيني والعربي ليأخذ زمام المبادرة في قيادة عملية الإعمار والتنمية.
فالقطاع الخاص يمتلك ما تفتقر إليه البيروقراطية الدولية: السرعة، المرونة، الخبرة، والقدرة على التنفيذ الفعلي.
يمكن للقطاع الخاص أن يلعب دورًا محوريًا من خلال:
– الاستثمار المباشر في مشاريع الإسكان والطاقة والبنية التحتية.
– بناء شراكات مع المؤسسات الدولية لتمويل وتنفيذ المشاريع ذات الأولوية.
– خلق فرص عمل للشباب والنساء لتمكين المجتمع اقتصاديًا واجتماعيًا.
– تبنّي مبادرات المسؤولية الاجتماعية التي تُعيد الثقة بين المواطن والمؤسسة.
إن تحويل الإعمار من “عملية إنقاذ” إلى “مشروع تنمية” لن يتحقق إلا بإشراك القطاع الخاص كشريك أصيل، لا كمنفذ ثانوي.
ثالثًا: الطريق إلى الأمام
حتى تنجح عملية الإعمار، لا بدّ من تبنّي نموذج فلسطيني واضح وواقعي، يقوم على المبادئ التالية:
1. توحيد الجهود الوطنية تحت مظلة واحدة تدير وتموّل وتتابع التنفيذ.
2. تأسيس صندوق وطني لإعادة الإعمار تشارك فيه الحكومة والقطاع الخاص والمؤسسات الدولية.
3. إدارة الصندوق بشفافية واستقلالية عبر لجنة مهنية تضم خبراء من داخل فلسطين وخارجها.
4. تحديد أولويات واضحة تبدأ بالمشاريع التي تمس حياة الناس مباشرة: السكن، التعليم، الصحة، الطاقة، والمياه.
5. تبنّي رؤية تنموية شاملة تربط الإغاثة الطارئة بخطط التنمية المستدامة، لتصبح غزة نموذجًا للصمود والبناء الذاتي.
خاتمة
إن ما يعيشه أهل غزة اليوم ليس فقط مأساة إنسانية، بل اختبار حقيقي لقدرتنا على تحويل الألم إلى أمل، والدمار إلى نهضة.
لقد أثبت الفلسطينيون عبر التاريخ أنهم قادرون على النهوض مهما بلغت الجراح، وما يحتاجونه اليوم هو قرارٌ وطنيٌ شجاعٌ يُوحّد الصفوف، ويمنح القطاع الخاص مساحةً للعمل من أجل مستقبلٍ يليق بهذا الشعب العظيم.








