أقلام

تحولات الوعي الفلسطيني بعد الإبادة: من الشعارات إلى الفعل – بقلم المحلل حسين جمال

من الواضح أن المزاج العام للشعب الفلسطيني في غزة بدأ يتغيّر بشكلٍ لافت بعد الإبادة والدمار اللذين طالا كلّ ما هو أخضر ويابس. فالثقة القديمة بالشخصيات السياسية التقليدية تتراجع يومًا بعد يوم، لصالح أولئك الذين يلامسون الواقع الإنساني ويقدّمون للناس شيئًا ملموسًا على الأرض.

فعلى سبيل المثال، نرى شخصيات مثل الدكتور مصطفى البرغوثي، الذي لا يكاد يخلو منبر إعلامي عربي أو أجنبي من حضوره، ويقدّم خطابًا وطنيًا مليئًا بالشعارات الرنانة. ومع ذلك، لم يتمكن في أحد استطلاعات الرأي داخل غزة من مجاراة رجل الأعمال بشار المصري، رغم أن الأخير ليس سياسيًا بالمعنى التقليدي، ولا يُعرف عنه أنه صاحب خطابات أو شعارات حماسية، بل اشتهر في غزة بما تقدّمه مؤسساته من أعمال إنسانية وإغاثية حقيقية على الأرض.

هذه المفارقة تعبّر عن تحوّلٍ جوهري في وعي الناس. فالفلسطيني في غزة اليوم لم يعد يبحث عمّن يتحدث باسمه، بل عمّن يشعر به ويخدمه. لقد تغيّرت أولويات الناس، ولم يعد الخطاب الوطني وحده كافيًا لإقناعهم أو تمثيلهم، بعد أن أصبحوا يعيشون مأساةً يومية تتطلب من يقف إلى جانبهم بالفعل لا بالقول.

وأنا مؤمن بأن المرحلة القادمة في غزة ستشهد تراجعًا لدور القادة السياسيين التقليديين، مقابل صعود قادة يمتلكون رؤى تنموية وإنسانية، خصوصًا أولئك الذين يعملون ويبنون الأمل على أنقاض الألم. فغزة اليوم لا تحتاج إلى مزيد من الخطابات، بل إلى من يرمّم الإنسان قبل الحجر، ويزرع في الناس الثقة بأن الغد ما زال ممكنًا.

زر الذهاب إلى الأعلى