الإبعادات عن الأقصى.. أداة إسرائيلية ممنهجة لتقييد حرية العبادة – كتبت أمينة خليفة
أصدرت شرطة الاحتلال هذا الأسبوع أوامر إبعاد إضافية عن المسجد الأقصى، كان أبرزها بحق خطيب المسجد الشيخ محمد سرندة، الذي مُنع من دخوله لمدة ستة أشهر، وجاء هذا القرار فقا لإدعاءات شرطة الاحتلال، على خلفية ما وصفته بأنه “خطابات تحريضية” خلال خطبة الجمعة، تضمنت إشارات إلى الوضع في غزة.
بالتأكيد هذه الخطوة ليست معزولة، بل تأتي في إطار موجة متصاعدة من قرارات الإبعاد التي باتت سمة متكررة في إدارة الاحتلال لشؤون الأقصى، ففي الأسابيع الأخيرة شهدت المدينة زيادة ملحوظة في هذه الإجراءات من قبل سلطات الاحتلال التي تستهدف الخطباء والمرابطين وحتى المصلين العاديين، غير آبهين أن المسجد الأقصى مكان عبادة مقدس وأي تدخل فيه يلامس حرية دينية محمية دوليا.
والمسجد الأقصى، باعتباره مكان عبادة مقدس للمسلمين حول العالم، يجب أن يكون محمياً من أي تدخل سياسي أو أمني، لكن السياسات الأخيرة تكشف عن محاولة واضحة لتحويله إلى ساحة ضبط أمني تُقيد فيها حرية العبادة والتعبير تحت ذرائع أمنية جاهزة.
الأوقاف الإسلامية في القدس سارعت إلى التحذير من خطورة هذه الممارسات، مؤكدة أن التدخل في خطب الجمعة أو مواعظ الخطباء يمثل تعدياً على صلاحياتها الدينية التي تحميها القوانين والاتفاقيات الدولية، كما ناشدت المصلين بعدم الإدلاء بتصريحات قد تُستغل لتبرير قرارات جديدة.
أما المصلين المقدسين فيرون أن الهدف الحقيقي من هذه السياسات هو تفريغ الأقصى من رموزه الدينية والشعبية، وتحويله إلى فضاء تسيطر عليه قوات الاحتلال بالكامل، لأن المسجد في الأساس مكان صلاة لكن الاحتلال يحاول جعله ثكنة عسكرية.
ويبدو أن قرارات الأبعاد هذه بمثابة إجراء عقابي جماعي يهدف إلى إسكات الأصوات الفلسطينية وتقييد الممارسة الدينية، وهذا دليلاً على أن الأمر لم يعد استثناء بل سياسة ممنهجة تستهدف السيطرة على المشهد الديني في القدس.
أيضا حرية العبادة هي حق أساسي لا يجوز المساس به، حتى في ظل ظروف النزاعات، وسبق للأمم المتحدة أن شددت في أكثر من قرار على ضرورة احترام الوضع القائم في الحرم الشريف وعدم إدخال تعديلات أحادية الجانب عليه، لكن واقع الحال يظهر عكس ذلك، إذ تتصاعد الإجراءات الإسرائيلية التي تضيق على الأوقاف الإسلامية وتضعف من قدرتها على إدارة شؤون المسجد، وهذا التضييق يُقرأ على نطاق واسع في سياق مساعٍ إسرائيلية لفرض السيادة الأمنية والدينية على الأقصى.
وشهدت القدس تاريخياً حالات متكررة من الإبعاد، لكن الفارق اليوم أن هذه القرارات باتت أقرب إلى سياسة روتينية، فالمصلين أنفسهم يلاحظون أن قوات الاحتلال أصبحت أكثر حضوراً داخل المسجد، وتتعامل مع كل نشاط ديني أو وطني باعتباره تهديداً أمنياً.
وهذه السياسة لا تؤثر فقط على القيادات الدينية، بل تمتد إلى حياة المقدسيين اليومية، فتصاعد الإبعاد عن الأقصى يعني حرمان الأفراد من ممارسة عباداتهم في أقدس أماكنهم، ويترك أثراً نفسياً وروحياً عميقاً على المجتمع بأسره، كما يرسخ في الأساس إلى هدف الاحتلال الأسمى وهو تعويد القدس.
المفارقة أن الأوقاف الإسلامية رغم تمسكها بالسلمية ودعواتها للتهدئة، تجد نفسها أمام قرارات تستهدف وجودها ودورها في وقت تحاول فيه تجنيب المسجد أي صدام مباشر، وهو ما يبرز إصراراً فلسطينياً على الحفاظ على هوية المكان رغم الضغوط.
في النهاية، تبدو القضية أبعد بكثير من مجرد “خطب جمعة” أو “تصريحات”، فالمسجد الأقصى بات في قلب معركة سيادة وصراع هوية، حيث تستخدم سلطات الاحتلال أداة الإبعاد لتقييد حق العبادة وحرية التعبير، في انتهاك صارخ لحرمة المكان ولمكانته كرمز ديني عالمي وفرض السيطرة على المسجد الأقصى المبارك.
وأمام هذه السياسات التعسفية، قد يكمن الحل في تفعيل الضغوط الدولية، سواء من خلال المنظمات الأممية أو عبر المواقف العربية والإسلامية الموحدة، للضغط على الاحتلال من أجل وقف قرارات الإبعاد والالتزام بالوضع القائم في المسجد الأقصى، مع تعزيز الحضور الدبلوماسي والقانوني في المحافل العالمية لتوثيق الانتهاكات ومساءلة إسرائيل عنها.
وعلى المستوى المحلي، هناك عدد بدائل أخرى، أبرزها تعزيز صمود المجتمع المقدسي عبر الدعم الاقتصادي والاجتماعي، وتكثيف برامج التوعية حول الحقوق الدينية والقانونية للمصلين، إضافة إلى دعم الأوقاف الإسلامية في إدارة شؤون المسجد بما يحافظ على دوره كرمز ديني جامع مع التشديد على المصلين بعدم رفع وتيرة التصعيد، فهذا قد يمنع الاحتلال من فرض وقائع جديدة على الأرض.
أمينة خليفة








