أقلام

بين الجدارين… أي شقة تختار في القدس؟ – كتبت أمينة خليفة

شهدت السنوات الأخيرة تحولات واضحة في شعبية أحياء القدس الشرقية، مع تذبذب ملحوظ في الطلب على الشقق السكنية، ويعود ذلك إلى عوامل متشابكة، أبرزها موقع العقار نسبةً إلى الجدار الفاصل، فالسؤال الذي يطرحه الكثير من السكان والمستثمرين هو: أيهما أفضل، السكن داخل الجدار أم خارجه؟

الجدار الفاصل لم يعد مجرد حاجز سياسي أو أمني، بل تحوّل إلى حد فاصل بين نمطين عمرانيين وحضريين مختلفين في القدس الشرقية، وهو ما جعل قراره العقاري قرارًا مركبًا تتداخل فيه المعايير الاقتصادية والبنية التحتية وحتى الاعتبارات المستقبلية.

الشقق الواقعة داخل الجدار غالبًا ما تكون أقرب إلى مركز المدينة، وتستفيد من خدمات بلدية منتظمة، وبنية تحتية أفضل، مثل شبكات الصرف والكهرباء والطرق، كما تُفرض عليها رقابة مشددة في عمليات البناء، ما يمنح المشترين ثقة أكبر في جودة المباني.

في المقابل، تُعرض الشقق الواقعة خارج الجدار بأسعار أقل بكثير، وغالبًا ما تكون أكبر مساحة. هذا الأمر جذب العديد من العائلات الباحثة عن سكن واسع دون دفع أسعار باهظة، لكنه أيضًا أثار مخاوف تتعلق بالسلامة وجودة البناء.

من أبرز التحديات التي تواجه الشقق خارج الجدار هو غياب الرقابة الرسمية أو ضعفها، وهو ما يسمح لبعض المقاولين بالتحايل على المعايير الهندسية لتقليل التكاليف، وقد أدى هذا الوضع إلى حوادث انهيار مؤسفة في بعض المباني خلال السنوات الماضية.

ويُعد السعر هو العامل الجاذب الأبرز للشقق خارج الجدار، حيث يمكن الحصول على شقة بنفس سعر غرفة داخل الجدار تقريبًا، لكن هذا الفارق قد يأتي على حساب معايير السلامة والجودة وحتى ضمان الحقوق القانونية للعقار.

وتوفر الأحياء داخل الجدار خدمات مثل المدارس الرسمية، مراكز صحية، جمع القمامة، والإنارة العامة، أما الأحياء خارج الجدار، فتعاني في الغالب من نقص شديد في هذه الخدمات، ما يؤثر على جودة الحياة اليومية للسكان.

وتعتبر سهولة الوصول إلى أماكن العمل والتعليم والمرافق العامة من العوامل الحاسمة، فالشقق داخل الجدار ترتبط بشبكة مواصلات أفضل، وتوفر وقتًا وجهدًا في التنقل، بينما يعاني السكان خارج الجدار من الحواجز ومحدودية الحركة أحيانًا.

فيما تعاني بعض الأحياء خارج الجدار من وضع قانوني غير واضح، ما يطرح تساؤلات حول شرعية البناء وإمكانية تسجيل الملكية، أما داخل الجدار، فتكون الإجراءات أكثر وضوحًا، وإن كانت أبطأ أحيانًا بسبب البيروقراطية.

وحاليا، يتجه بعض المستثمرين نحو الأحياء خارج الجدار بسبب إمكانية تحقيق أرباح أعلى من خلال البناء منخفض التكلفة. لكن آخرين يفضلون الاستثمار داخل الجدار لضمان الاستقرار القانوني والطلب المستقر على الإيجارات.

يشعر بعض السكان بمزيد من الأمان والانتماء داخل الجدار، بينما يعاني آخرون من العزلة والبعد عن المركز الحضري خارجه، رغم انخفاض التكاليف.

ورغم أن قرار الشراء يُتخذ بناءً على اعتبارات شخصية مثل الميزانية وحجم العائلة، إلا أن الأثر الجماعي لهذه القرارات ينعكس على شكل المدينة، وتوازن الخدمات، بل وحتى السياسة السكانية على المدى الطويل، لذلك يبقى الاختيار بين شقة داخل الجدار أو خارجه قرارًا معقدًا لا توجد فيه إجابة موحدة، لأن المسألة تتعلق بتفضيلات شخصية، ومستوى المخاطرة المقبولة، والرهان على المستقبل. لكن الأكيد أن النقاش حول هذا الموضوع سيستمر، ما دامت التباينات قائمة والتحديات متغيرة.

أمينة خليفة

زر الذهاب إلى الأعلى