بارقة أمل في جنين وسط ظروف اقتصادية صعبة

في خطوة تعكس توجها استراتيجيا نحو التنمية المستدامة، شهدت مدينة جنين مؤخرًا إطلاق مجموعة من المشاريع الجديدة في مجالي الطاقة الشمسية والبنية التحتية، بميزانية إجمالية تُقدر بنحو 6 ملايين شيكل، وتأتي هذه المبادرات في إطار جهود حثيثة لتحسين جودة الحياة في المدينة وتعزيز الاعتماد على مصادر طاقة محلية ونظيفة.
يبدو أن المشاريع الجديدة التي تم تنفيذها بالشراكة بين وزارة الطاقة والموارد الطبيعية الفلسطينية والهيئات المحلية في محافظة جنين، وتشمل تركيب أنظمة طاقة شمسية على أسطح عدد من المؤسسات الحكومية والمدارس، إلى جانب تحديث شبكات المياه والصرف الصحي في مناطق حيوية داخل المدينة.
وتأتي هذه المبادرات في وقت حساس، حيث تواجه السلطة الفلسطينية ضغوطًا متزايدة بسبب الاعتماد المفرط على كهرباء الاحتلال، وهو ما يجعل التحول نحو مصادر الطاقة المتجددة خيارًا ضروريًا وليس ترفًا، ومن المتوقع أن تُوفر مشاريع الطاقة الشمسية فرص عمل مباشرة للعشرات من أبناء المدينة، لاسيما في قطاعات التركيب والصيانة والإشراف الفني، وهو ما يشكل دعمًا مهمًا للاقتصاد المحلي، الذي يعاني من معدلات بطالة مرتفعة.
كما تم الإعلان عن بدء تنفيذ مشروع لتحديث شبكة الطرق الداخلية في عدد من الأحياء، بهدف تسهيل الحركة المرورية وتحسين الوصول إلى المرافق العامة، مثل المدارس والمراكز الصحية والأسواق، وهو ما يُعزز مستوى الخدمات المقدّمة للسكان.
وقد حظيت هذه المشاريع بترحيب واسع من قبل سكان المدينة، الذين يرون فيها بارقة أمل وسط ظروف اقتصادية ومعيشية صعبة، ويأملون أن تمتد هذه المبادرات لتشمل مناطق المخيمات والأطراف الريفية التي تعاني من ضعف مزمن في البنية التحتية.
ربما جاء هذا التمويل عبر مزيج من المساعدات الدولية وصناديق دعم فلسطينية، بالتنسيق مع مؤسسات تنموية تعمل على دعم مشاريع الطاقة النظيفة في الأراضي الفلسطينية، حيث تمثل هذه المشاريع نموذجًا عمليًا لرؤية الحكومة الفلسطينية في تعزيز الصمود من خلال التنمية، بدلًا من الاعتماد فقط على المساعدات الطارئة، عبر الاستثمار في قطاعات مستدامة مثل الطاقة والمياه والنقل.
ولا يحمل التحول نحو الطاقة الشمسية فقط بُعدًا اقتصاديًا، بل يُعتبر أيضًا خطوة ذات أبعاد سياسية، تهدف إلى تقليص التبعية لمنظومة الاحتلال، وبناء نوع من السيادة الطاقية التي تسمح بمساحة أوسع من القرار المحلي، كما يُتوقع أن تسهم هذه المشاريع في تقليل الانقطاعات المتكررة للكهرباء، وتحسين الاستقرار في الشبكة الكهربائية، خاصة في أوقات الذروة، وهو ما ينعكس بشكل مباشر على حياة المواطنين اليومية.
كما يسهم التوسع في مشاريع الطاقة المتجددة في تقليل الانبعاثات الكربونية في جنين، ويُعزز من وعي السكان بأهمية التحول إلى اقتصاد أخضر وصديق للبيئة، وسيتم مراقبة المشاريع الجديدة وتقييمها بشكل دوري، لضمان استدامتها وكفاءتها التشغيلية، مع التركيز على تدريب الكوادر المحلية على إدارة هذه المنظومات الحديثة.
والآن، تعمل بلدية جنين بالتعاون مع المؤسسات المعنية على وضع خطة شاملة لتوسيع نطاق الطاقة الشمسية لتشمل المجمعات السكنية الصغيرة والمزارع، بما يضمن تعميم الفائدة على شرائح أوسع من السكان، وفي الوقت نفسه تسعى السلطات إلى تعزيز الشراكة مع الجامعات المحلية والمؤسسات التعليمية لتطوير برامج تدريب فني مرتبطة بالطاقة المتجددة، وإعداد جيل جديد من التقنيين والمهندسين في هذا القطاع الحيوي.
وإذا ما كُتب النجاح لهذه المشاريع، فإنها قد تُشكل نموذجًا يُحتذى به في باقي مدن الضفة الغربية، خاصة في ظل التحديات المتزايدة المرتبطة بالطاقة والموارد، وفي ظل ترحيب شعبي متزايد، تأمل الحكومة الفلسطينية أن تتحول جنين إلى قصة نجاح تنموية، تُثبت أن الاستثمار في البنية التحتية والطاقة النظيفة هو السبيل لبناء مجتمع قوي واقتصاد قوي وسط التحديات السياسية والاقتصادية القائمة.
أمينة خليفة