أقلام

غزة تموت جوعاً.. بقلم: إيمان داود

ولست أدري، أكان في مقدور الإنسان أن يحتمل هذا الذي يحدث في غزة، لو كان قلبه قلباً، لا حجراً؟ أكان يستطيع أن ينظر، ثم لا يرتعد؟ أن يسمع، ثم لا تضطرب أعصابه؟ أن يقرأ، ثم لا يشعر أن الجوع أفظع من النار، وأن العطش أشد فتكاً من الرصاص؟

غزة لا تحترق بالنار وحدها، ولا تُمزَّق بالقنابل وحدها، بل تموت كل يوم، شيئاً فشيئاً، في صمتٍ مروّع، بين أنياب التجاهل، وتحت عيونٍ ترقب لا لتُغيث، بل لتُحصي وتسجّل، ثم تنصرف.

غزة، أيها السادة، لم تعد مدينةً يسكنها الناس، بل صارت صرخةً تعلو فوق كل المدن. صرخةً لا يسمعها من صمّت أذنه السياسة، ومن كفّ قلبه عن الخفقان.

غزة التي قاومت الدبابة، وغلبت الطائرة، واحتملت الحصار تلو الحصار، لم تحتمل جوع الطفل إذا بكى، ولا صمت الأم حين لا تجد له قطرةَ حليب. لقد غلبها الجوع، لا الجندي؛ خنقها العطش، لا البارود.

ولست أرى عاراً أشد على البشرية من أن يصبح الخبز أمنية، وأن يُهرّب الطحين كما يُهرّب الذهب، وأن يُصبح الزيت أثمن من الدم.

ولست أفهم كيف تُسمّى هذه مجرّد أزمة إنسانية. كلا! ليس هذا بحصار… هذا اغتيال، بطيء، مقصود، متعمّد، يجري على مرأى من هذا العالم الذي تعوّد أن ينظر، ثم يسكت، ثم ينشغل.

فلا تحدثوني عن “معابر” تُفتح لتُغلق، وعن “تهدئة” مؤقتة كالأكاذيب. المعبر الحقيقي، أيها السادة، هو بين دموع الأمهات، وبين ضميركم. والعمق الاستراتيجي، إن أردتم الحق، هو عمق الجوع في بطون الصغار، لا في خرائط الجنرالات.

أيّ قسوة هذه التي ترى رضيعاً يموت على شاطئ البحر لا لأنه أُصيب، بل لأنه لم يجد ماءً؟ أي ألم أشد من أن تنظر أمّ إلى طفلها، فلا تجد غير دموعها، ولا يسمع هو غير وجيب قلبها المكسور؟

وغزة؟ غزة لا تريد دموعاً، ولا منشورات، ولا كلمات تعزية. غزة تريد أن نكون فيها، لا عنها، معها، لا خلف شاشاتنا. تريد فعلاً، لا وجعاً عابراً.

أيها الناس، غزة لا تموت لأنها ضعيفة، بل لأنها تُركت، لأن العالم آثر الصمت، لأن الضمير العالمي قد نام، ولست أدري إن كان سيصحو قبل فوات الأوان.

غزة تموت جوعاً… أفلا تسمعون؟
غزة تموت جوعاً… أفلا تشعرون؟
غزة تموت جوعاً… فأين الإنسان فيكم؟ أين أنتم؟

زر الذهاب إلى الأعلى