أقلام

أسعار الملابس في طولكرم تشعل الغضب الشعبي

في الأيام الأخيرة، تحوّلت أسواق مدينة طولكرم إلى ساحة نقاش محتدم، ليس فقط بين الزبائن والتجار، بل أيضًا على منصات التواصل الاجتماعي التي عجّت بانتقادات لاذعة طالت التجار المحليين بسبب الارتفاع الكبير في أسعار الملابس.

وبينما يرى البعض أن التجار يتحمّلون قسطًا وافرًا من المسؤولية، يشير آخرون إلى أن الأسباب الحقيقية للأزمة أعمق من ذلك بكثير، وتكمن في فوضى أمنية وتدهور اقتصادي مزمن يعصف بالمدينة ومحيطها.

تدوينات المواطنين الغاضبين لم تخلُ من نبرة اتهامية مباشرة، فهناك عشرات المنشورات والفيديوهات القصيرة التي وثقت ارتفاع أسعار ملابس الأطفال والملابس الصيفية الأساسية إلى مستويات غير مسبوقة، حتى أن بعض الأهالي تساءلوا بسخرية: “هل نحتاج إلى قرض بنكي لشراء قميص لطفلنا؟”. كما دعا آخرون إلى مقاطعة التجار وشراء الملابس من خارج المدينة أو من الأسواق الشعبية في الضفة الغربية.

وتحت ضغط هذا السخط الشعبي، حاول بعض التجار الدفاع عن أنفسهم بتقديم تبريرات تتراوح بين ارتفاع تكاليف النقل، وفرض الضرائب غير الرسمية من جهات مسلحة، وصعوبة استيراد البضائع عبر المعابر الإسرائيلية، ومع ذلك، لم تنجح هذه التبريرات في تهدئة الغضب الشعبي، خاصة مع تداول صور لفواتير توثق أسعارًا مضاعفة مقارنة بمناطق فلسطينية مجاورة.

وبعيدًا عن دوامة الاتهامات المباشرة، يبدو أن فهم الوضع يتطلب نظرة شمولية للواقع الأمني والاقتصادي في طولكرم، حيث أصبحت المواجهات اليومية، وحملات الاعتقال، والاشتباكات المسلحة، مشهدًا متكررًا يضرب عصب الحياة المدنية.

ومع ذلك، لا يمكن فصلها عن الواقع الأمني المشتعل، فالفصائل المسلحة، رغم ادعائها حماية المواطنين، تتحمل جزءًا من مسؤولية تدهور البيئة التجارية والاقتصادية من خلال خلق حالة من انعدام الاستقرار التي تطرد الاستثمار وتشل حركة السوق.

ويجبر بعض التجار على دفع “إتاوات” لجماعات مسلحة مقابل الحماية أو السماح باستمرار العمل، ما يُضيف عبئا غير رسمي ينعكس مباشرة على الأسعار.

ورغم تعقيد المشهد، يظل هناك من يطالب التجار بالتحلي بالحد الأدنى من المسؤولية الاجتماعية، فحتى في خضم الأزمات، يُنتظر من التاجر أن يوازن بين الحفاظ على استمرارية عمله وبين مراعاة القدرة الشرائية للمواطنين، لا أن يحوّل الأزمة إلى فرصة لتحقيق أرباح استثنائية.

ويبدو أن ما يحدث ليس مجرد أزمة أسعار، بل أزمة أخلاق تجارية، فلابد من ميثاق شرف بين التجار والمجتمع، يضع ضوابط لعدم استغلال الأزمات، ويُعيد الثقة إلى السوق المحلي.

وربما الحل لا يمكن أن تأتي من طرف واحد، فالمطلوب هو تحرك جماعي يشمل ضغط شعبي منظم، ليس فقط عبر الفيسبوك، بل من خلال مبادرات ميدانية ترصد الأسعار وتفضح حالات الاستغلال، وأيضا تنظيمات مهنية وأن يكون هناك دور أكبر لغرفة التجارة في فرض معايير وضوابط عادلة، وأيضا ضغط سياسي ومجتمعي على الفصائل المسلحة لتجنب التورط في الاقتصاد المحلي وإفساح المجال لحياة مدنية مستقرة، ومطلوب أيضا دعم حكومي ولو محدود لتعزيز صمود التجار الشرفاء وتوفير بدائل استيراد أفضل.

وفي النهاية، تبدو الأزمة الحالية في طولكرم هي مرآة لواقع فلسطيني أوسع، حيث يتقاطع السياسي بالأمني بالاقتصادي، وحيث يدفع المواطن البسيط الثمن الأكبر. وبينما من العدل الإشارة إلى تعدد المسؤولين عن هذه الأزمة، فإن تحميل التاجر كل اللوم دون مساءلة الفصائل المسلحة أو السياسات العامة، هو تبسيط مخلّ.

ومع ذلك، لا يُعفى التجار من واجبهم الأخلاقي، فالمجتمع الذي يئن تحت الحصار والانقسام لا يحتاج إلى مزيد من الجشع، بل إلى لحظة وعي جماعية تُعيد الاعتبار لقيم التكافل والإنصاف، فهل تأتي تلك اللحظة قريبًا؟.

مسك محمد

زر الذهاب إلى الأعلى