كشف مراسل إذاعة “إن بي آر” (NPR) الأميركية، دانيال إسترين، عن تفاصيل زيارته النادرة إلى قطاع غزة، التي تمت برفقة جيش الاحتلال الإسرائيلي وتحت رقابة عسكرية مشددة، مسلطاً الضوء على الدمار الواسع الذي لحق بالقطاع والانقسام الفعلي بين منطقة تخضع لسيطرة الجيش وأخرى تسيطر عليها حركة حماس، في ظل غموض يكتنف مستقبل وقف إطلاق النار.
وجرت الزيارة، بحسب إسترين، بعد نحو شهر من وقف إطلاق النار، حيث لا يُسمح للصحفيين بدخول غزة إلا في جولات محدودة يرافقهم خلالها جنود الاحتلال. وكشرط مسبق، خضعت المواد المصوّرة والمسجلة لمراجعة كاملة من قبل الرقابة العسكرية الإسرائيلية قبل بثها.
وأشار المراسل إلى أن معبر الدخول تغيّر كلياً، إذ لم تعد هناك بوابات أو أجهزة تفتيش كما في السابق، بل جرى العبور مباشرة عبر سياج الاحتلال في مركبة عسكرية إلى موقع عسكري متقدم قرب ما يُعرف بـ”الخط الأصفر”، وهو الحدّ الذي انسحب إليه الجيش بعد بدء الهدنة، ويُمنع الفلسطينيون من تجاوزه.
من على تل ترابي مرتفع يطل على حي الشجاعية، وصف إسترين المشهد بالقول: “يا إلهي، يا إلهي.. أشعر وكأن قلبي انقبض”، مضيفاً: “ما أراه هو اتساع هائل من الدمار.. المباني الشاهقة في مدينة غزة ما زالت قائمة في البعيد، لكن حولها أكوام من الركام، ومدارس ومنازل مدمرة بالكامل”. وتابع: “لا أشجار ولا شجيرات، فقط أطلال إسمنتية تمتد على مدى البصر، وأعمدة بارزة من الأرض كأنها شواهد قبور”.
وأوضح المراسل أن المنطقة كانت صامتة تماماً باستثناء أصوات الجنود في القاعدة الإسرائيلية، حيث لاحظ أحدهم يرتدي قميصاً كتب عليه “نادي صيد حماس”، في مشهد يعكس المزاج العسكري السائد.
وبشأن الوضع الميداني، نقل إسترين عن المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، نداف شوشاني، أن القوات لا تزال “نشطة” في النصف الذي تسيطر عليه لتدمير الأنفاق، بينما تواصل حماس نشاطها في الجانب الآخر من القطاع.
أما عن المستقبل، فأشار المتحدث إلى أن الخطة الأميركية المطروحة تتضمن نشر قوة متعددة الجنسيات ونزع سلاح حماس بعد تسليم جثث المحتجزين القتلى، وعندها فقط يمكن أن ينسحب الجيش الإسرائيلي من غزة. وقال شوشاني: “نأمل أن يتحقق ذلك قريباً، لكننا مستعدون للبقاء هنا طالما لم يحدث”.
وتساءل إسترين في ختام تقريره عمّا إذا كان هذا التقسيم الفعلي للقطاع يمثل “الوضع الراهن الجديد”، مقارناً إياه بالاحتلال الطويل للضفة الغربية منذ أكثر من نصف قرن. وأضاف أن البنية التحتية العسكرية في القاعدة توحي بنية البقاء، لافتاً إلى وجود أبراج اتصالات وجدران محصنة.
واختتم بالقول: “هذه هي أقصى نقطة سُمح لي بالوصول إليها.. الحرب انتهت، لكن الاحتلال لا يزال يمنع الصحفيين من دخول غزة بحرية لإعداد تقارير مستقلة عن واقع الحياة المستحيلة هناك”.







