الدروز: طائفة غامضة في قلب أزمات الشرق الأوسط

أعادت التطورات الأمنية الأخيرة في محافظة السويداء وجبل العرب جنوب سوريا، الحديث مجددًا عن الطائفة الدرزية، مكانتها التاريخية والاجتماعية، وأدوارها السياسية في ظل الأزمات المتواصلة في المنطقة، لا سيّما في سوريا ولبنان وإسرائيل.
وتُعد الطائفة الدرزية، أو “الموحدون الدروز” كما يُعرف أتباعها، من أكثر الطوائف الدينية إثارة للجدل في العالم العربي، نظرًا لعقيدتها ذات الطابع السري، وانتشارها الجغرافي في مناطق استراتيجية، وتاريخها الحافل بالتقلبات السياسية والتحالفات المتغيرة.
جذور تاريخية وعقيدة غامضة
نشأت الطائفة الدرزية في بدايات القرن الحادي عشر الميلادي في ظل الخلافة الفاطمية بمصر، على يد الحاكم بأمر الله ومجموعة من الدعاة المتأثرين بالفكر الإسماعيلي والفلسفة الهلنستية. وتميزت منذ نشأتها بعقيدة باطنية وسرية، لا تُكشف تعاليمها إلا لطبقة خاصة تُعرف بـ”العقّال”، في مقابل “الجهّال” وهم عامة أبناء الطائفة.
وتؤمن العقيدة الدرزية بالتوحيد المطلق ورفض التجسيد والتشبيه، وتعتمد العقل كوسيلة لفهم الحقيقة. كما تُعد قضية تناسخ الأرواح من أكثر الأفكار المثيرة للجدل في هذه العقيدة، والتي لا تتضمن طقوسًا وشعائر دينية علنية، كما هو الحال في بقية الديانات السماوية.
انتشار سكاني في مناطق متفرقة
يتوزع الدروز بشكل رئيسي في سوريا ولبنان وفلسطين، ويُقدّر عددهم عالميًا بنحو 1 إلى 2 مليون نسمة. وتُعد محافظة السويداء (جبل الدروز) في جنوب سوريا أكبر معقل لهم، حيث يتجاوز عددهم هناك 700 ألف نسمة، تليها مناطق الشوف وعاليه وراشيا في لبنان بحوالي 300 ألف درزي، إلى جانب نحو 130 ألفًا في إسرائيل، ينتشرون في الجليل والكرمل والجولان المحتل. كما توجد مجتمعات درزية صغيرة في أمريكا الجنوبية وأوروبا.
دور سياسي متقلب بين الولاء والاستقلال
عرف الدروز تاريخيًا بمواقف متحفظة وسعي دائم للحفاظ على خصوصيتهم العقائدية والاجتماعية، مقابل اندماج تدريجي في المشهد السياسي بحسب كل بلد. ففي لبنان، لعبت القيادات الدرزية، لا سيما عائلة جنبلاط، أدوارًا محورية في توازنات الحكم. وفي إسرائيل، يتمتع الدروز بامتيازات نسبية تشمل الخدمة في الجيش ومناصب حكومية، بينما يرفض دروز الجولان المحتل التجنيس الإسرائيلي ويتمسكون بانتمائهم السوري.
أما في سوريا، فعلاقة الدروز بالنظام السوري معقدة ومتغيرة. وعلى الرغم من التزام جزء من الطائفة بالحياد أو الولاء الرسمي، شهدت السنوات الأخيرة تصاعدًا في التوترات الداخلية، وتشكيل مجموعات مسلحة بعضها مستقل وآخر موالٍ للنظام، وسط تدهور أمني واقتصادي متزايد.
السويداء في قلب الأحداث.. صراع النفوذ والانقسام
شهدت محافظة السويداء مؤخرًا تصاعدًا في التوتر بين الفصائل الدرزية المحلية وبعض القبائل السنية، في ظل الانقسام السياسي داخل الطائفة حيال الموقف من السلطة السورية الجديدة. وتعود جذور هذه الخلافات إلى تباينات عقائدية وسياسية، تغذيها صراعات النفوذ الإقليمي، واستغلال خارجي للأزمات الداخلية، لا سيّما من قبل إسرائيل.
الدعم الإسرائيلي للدروز في سوريا
تتهم تقارير إسرائيل بتقديم دعم محدود لبعض الفصائل الدرزية في جنوب سوريا، خصوصًا في مناطق قريبة من الجولان المحتل، كجزء من استراتيجية تهدف إلى خلق مناطق نفوذ موالية لها على حساب النظام السوري. ويُنظر إلى هذا الدعم كوسيلة للضغط على دمشق ولضمان وجود شريك محلي في محيط الجولان.
مرجعية دينية غير موحّدة.. وتأثير عابر للحدود
تفتقر الطائفة الدرزية إلى مرجعية دينية موحدة على غرار الأزهر أو الفاتيكان. فلكل منطقة درزية مرجعياتها المحلية: “شيخ العقل” في لبنان، “الرئاسة الروحية” في سوريا، و”الشيخ طريف” في إسرائيل، وهي شخصيات دينية تقود الشأن الروحي والاجتماعي للمجتمع الدرزي، دون امتلاك سلطة دينية موحدة أو ملزمة على عموم الطائفة حول العالم.
تحديات كبرى في ظل الأزمات
رغم الخصوصية التي تتمتع بها الطائفة الدرزية، إلا أن التحديات المتصاعدة في سوريا ولبنان وفلسطين تهدد بانقسامات داخلية قد تعصف بوحدتها الاجتماعية والسياسية. ويُنظر إليها غالبًا كقوة وسطية أو جسر بين المتخاصمين، لكنها مهددة بأن تصبح طرفًا في نزاعات لا تصبّ في مصلحتها.
خاتمة
الطائفة الدرزية تمثل مكوّنًا أصيلًا في نسيج المشرق العربي، لكنها تواجه واقعًا معقدًا يستوجب فهمًا عميقًا لطبيعتها العقائدية ومواقفها السياسية. فالتوازن بين الخصوصية الدينية والمشاركة السياسية، وبين الانتماء الوطني والانغلاق الطائفي، يبقى التحدي الأبرز أمام مستقبل هذه الطائفة التي لا تزال تترنح بين الحياد والانخراط في صراعات المنطقة.