أقلام

القدس تحت القيود الحديدية.. هل تعود الحركة إلى طبيعتها قريبا؟ – كتبت أمينة خليفة

في الأسابيع الأخيرة، رُصدت تغييرات ميدانية متسارعة في محيط القدس والقرى القريبة منها، تمثلت في نصب أسوار حديدية جديدة وإقامة نقاط تفتيش إضافية إلى جانب فرض قيود مشددة على حركة التنقل بين هذه القرى والقدس الشرقية، وجاءت هذه الإجراءات عقب حوادث أمنية متفرقة في المدينة، تعكس توجهاً أمنياً تصاعدياً يطال الحياة اليومية للسكان الفلسطينيين في المنطقة.

 

ميدانيا، يبدو أن هذه الإجراءات لم تقتصر على إقامة الحواجز بل شملت إعادة تنظيم طرق العبور وإغلاق بعض المسالك الجانبية التي كان الأهالي يستخدمونها لتجنب الازدحام والتفتيش المطول وهو أدى إلى إطالة زمن التنقل وتعقيد الحركة بشكل أكبر مما كانت عليه في السابق.

 

ورغم أن السلطات الإسرائيلية تبرر هذه الخطوات بالحاجة إلى منع تسلل منفذين محتملين لهجمات، إلا أن انعكاساتها المباشرة تقع على عاتق السكان المدنيين الذين يعتمدون يومياً على هذه الطرق للوصول إلى أعمالهم ومدارسهم ومستشفياتهم داخل القدس الشرقية.

 

كما شهدت الأسابيع الماضية تشديداً غير مسبوق في نظام تصاريح الدخول، إذ بات الحصول على تصريح للعبور إلى القدس أكثر تعقيداً، مع تقليص الفئات المؤهلة ومنح تصاريح لفترات زمنية أقصر، لذلك أكد سكان محليون بأن بعض التصاريح أُلغيت دون توضيح الأسباب، وهو ما فاقم من صعوبة الحركة والتنقل.

 

من الواضح أن هذه السياسات الأمنية لا تأتي في فراغ، بل تنسجم مع نمط متكرر من الإجراءات التي تُتخذ عقب كل حادث أمني، لتتحول مع الوقت إلى واقع دائم على الأرض، لذلك يخشى الأهالي أن تتحول هذه الحواجز المؤقتة إلى بنى تحتية دائمة ما سيزيد من عزل القرى الفلسطينية عن القدس الشرقية بصورة منهجية.

 

ريما يكون الهدف المعلن للإجراءات هو تعزيز الأمن ومنع أي اختراق محتمل، لكن بالتأكيد التأثير الفعلي يمتد إلى إعادة رسم خريطة الوصول إلى المدينة، وهو ما يُترجم عملياً إلى تحكم أكبر في مداخل القدس ومخارجها بما يحد من قدرة الفلسطينيين على التنقل بحرية.

 

وعلى الجانب الاقتصادي، فتؤثر تلك القيود الجديدة بشكل خاص على الحركة الاقتصادية والاجتماعية، إذ يعاني التجار من صعوبات متزايدة في نقل البضائع، كما يتأخر الموظفون والطلاب عن مواعيدهم، وتزداد كلفة التنقل اليومية، ومع تكرار هذه المعاناة، تتراجع النشاطات الاقتصادية تدريجيا وهو ما ينعكس سلباً على مستوى المعيشة العام في القرى المحيطة.

 

من ناحية أخرى، أصيب سكان القرى المتاخمة للقدس بالقلق الدائم من أن استمرار هذا الوضع، لأنه بالتأكيد سيؤدي إلى عزلة مجتمعية تدريجية، خاصة في ظل عدم وضوح الجدول الزمني لتخفيف الإجراءات، لذلك يأمل كثيرون في أن يؤدي استقرار الأوضاع الأمنية إلى إعادة النظر في هذه السياسات وتقليص القيود المفروضة.

 

كل هذا غير القيود المفروضة على الحركة، والتي تتعارض مع مبادئ القانون الدولي الإنساني التي تضمن حرية التنقل للسكان المدنيين في الأراضي المحتلة لذلك يتخوف أهالي القدس من تحول هذه الإجراءات الأمنية المؤقتة إلى واقع دائم يمكن أن يشكل خرقاً واضحاً للالتزامات القانونية الدولية في ظل أملهم في استعادة الهدوء والنظام العام.

 

ورغم هذا الجدل، تبدو سلطات الاحتلال ماضية في تكريس واقع أمني مشدد معتمدة على حجج أمنية تعتبرها مبرراً كافياً في وقت يفتقر فيه السكان إلى آليات فعالة للاعتراض أو الطعن في هذه القرارات، ولكن تظل تلك القيود أداة قد تمهد لسياسات أكثر صرامة مستقبلاً، سواء عبر توسيع الحواجز أو تقليص مساحات الحركة تدريجياً، وهو ما من شأنه إعادة تشكيل المشهد الجغرافي والاجتماعي حول القدس على المدى الطويل.

 

ورغم هذه الصورة القاتمة التي ترسمها الإجراءات الحالية، فلا يزال سكان القرى يعولون على هدوء الأوضاع الأمنية واستئناف قنوات الضغط الدبلوماسي والقانوني لتخفيف هذه القيود، كما يأملون في أن تتبنى منظمات حقوق الإنسان والمجتمع الدولي مواقف أكثر وضوحاً تجاه ما يعتبرونه تقييداً ممنهجاً لحريتهم في التنقل، لأن الواقع الميداني يشير إلى تأثيرات متراكمة تطال البنية الاجتماعية والاقتصادية لسكان القرى الفلسطينية، في وقت تظل فيه العودة إلى الوضع الطبيعي رهناً بتطورات سياسية وأمنية لا تبدو قريبة الحسم.

 

 

أمينة خليفة

زر الذهاب إلى الأعلى