أخــبـــــارخاص المواطنفيديو المواطن

“أبو كايد”.. بقي بين القطط والدجاج في وجه الحرب، فعاد شهيدًا مكبّلًا من الأسر

في مدينةٍ أنهكها الدمار، ووسط الركام الذي لم يترك للناس سوى الذكريات، رحل الرجل الطيب محمد محمود كلاب “محروس” (أبو كايد)، أحد سكان منطقة المخابرات مقابل فندق الموفنبيك شمال مدينة غزة، بصمتٍ يوجع القلب ويختصر المأساة كلّها.

يقول الصحفي محمد قطة : “منذ ديسمبر 2023، انقطعت أخباره فجأة، وغاب صوته الدافئ عن جيرانه وأبنائه الذين عاشوا على أمل عودته يومًا. انتظروا طويلًا، والقلق يأكل أرواحهم، حتى وصلهم خبرٌ بأنه أُخِذ أسيرًا من بين أنقاض بيته، ليبدأ فصلٌ جديد من الوجع لا يشبه أي وجع”.

ومع مرور الأيام، جاء النبأ الذي كسَر قلوبهم جميعًا — النبأ المُرّ باستشهاده. لكن حتى الموت لم يُنصفه؛ فقد عاد إليهم مكبّل الجسد، مقيّد اليدين، دون أعضاء، وكأن قيود الأسر لم تُفارق جسده حتى بعد رحيله. عاد صامتًا، لكن صمته كان يصرخ بألف وجع، يحمل في طياته حكاية ظلمٍ طويلٍ لا تُروى بالكلمات.

حين عاد، لم يعد كما غادر؛ عاد محمولًا على الأكتاف، مغطّى بالدموع، مودَّعًا بنظراتٍ تحكي القهر والانتظار الطويل.

آخر ظهورٍ للرجل الطيب “أبو كايد” وثّقه الزميلان سائد السويركي ومحمد أبو صفية في فيديو بعد قصف المدينة السكنية والأبراج، حيث دخلا إلى المنطقة فوجداه وحيدًا وسط الخراب. سألواه بدهشة: لماذا بقيت هنا وحدك؟
فأجابهم بابتسامةٍ خفيفةٍ وهدوءٍ أبٍ غزّيٍّ بسيط:

> “أنا مش طالع من هان، عندي قطط ودجاج.. مين راح يطعمهم؟”

تلك الجملة كانت آخر ما نُقل عنه، وآخر ما رآه العالم من إنسانيته النادرة في زمنٍ غابت فيه الرحمة.

هكذا كان محمد كلاب “أبو كايد” — رجلًا من لحم الأرض، بقي حتى اللحظة الأخيرة يرعى حياةً صغيرة بين الموت، ويؤنس وحدته بالعطف والرحمة.

رحل “أبو كايد”، لكن قصته ستبقى شاهدًا على وجع الأسرى، وعلى إنسانٍ عاش بسيطًا، ومات عظيمًا، تاركًا وراءه حكايةً لا تُنسى عن وفاءٍ يسكن الركام وصمتٍ يحكي ألف وجع.

رحم الله أبا كايد، وتقبله في عليين، ولعن الله من سلبه حريته وحياته وطمأنينته.

زر الذهاب إلى الأعلى