أقلام

مهرجان العنب في جنين.. بين بهجة الموسم وهاجس الميليشيات

احتفل أهالي جنين بمهرجان العنب السنوي في الثالث والعشرين من أغسطس/آب 2025، وهو موعد ينتظره المزارعون والسكان منذ أشهر، باعتباره مساحة فرح جماعية وفرصة لعرض منتج يرمز لهوية المدينة وخصوبتها، غير أن أجواء الترقب لا تخلو من القلق، بعدما تعالت المخاوف من أن تعكر الميليشيات المسلحة صفو الاحتفالات بما قد يستفزّ الاحتلال ويفتح الباب أمام تدخل عسكري جديد.

المهرجان الذي كان يُفترض أن يكون احتفاءً بثمرة الأرض، تحول في المخيلة الشعبية إلى اختبار جديد لصمود المدينة، إذ يجد الأهالي أنفسهم مرة أخرى أمام معادلة صعبة تتلخص في: كيف يثبتون تمسكهم بالحياة رغم أنف التوترات الأمنية، وكيف يحمون موسمهم الزراعي من أن يُختطف بفعل المواجهات؟

أصحاب المزارع ينظرون دائما إلى المناسبة باعتبارها شريان رزق رئيسياً، فالعنب ليس مجرد محصول زراعي بل علامة تجارية لجنين، وحضوره في السوق الفلسطينية والعربية يعزز من صورة المدينة كمركز للإنتاج الزراعي.، لكنهم يخشون أن أي اضطراب أمني قد يبدد جهودهم الممتدة طوال العام ويضيع عائداتهم المنتظرة.

الخشية لا تقتصر على التجار، بل تشمل الأهالي أيضاً ممن اعتادوا أن يروا في المهرجان فرصة للقاء العائلات وتبادل الفرح، فبالنسبة لهم مجرد التهديد بإلغائه يمثل ضربة معنوية، لأنه يحرمهم من نافذة نادرة للحياة الطبيعية وسط واقع مثقل بالضغوط.

اللافت أن الحديث عن مخاطر الميليشيات المسلحة لا يُقرأ بمعزل عن المشهد الأوسع في الضفة الغربية، حيث تتحول المناسبات العامة أحياناً إلى ساحات تجاذب، ما يفتح المجال أمام الاحتلال لتبرير تدخلاته المتكررة، وفي جنين تحديداً تبقى الذاكرة مثقلة بعمليات عسكرية سابقة لم تخلُ من خسائر بشرية ومادية.

وعلى الرغم من ذلك، ظهر المجتمع المحلي رغبة واضحة في التمسك بالمهرجان، وكأنهم يريدون أن يبعثوا برسالة مزدوجة بأنهم قادرون على حماية موسمهم الزراعي وأن الفرح ليس ترفاً بل حق أصيل يجب انتزاعه من بين أنياب الظروف.

بعض الشبان المتطوعين جهزوا ساحات العرض وتنظيم الفعاليات متحدين شبح الإلغاء، معتبرين أن التراجع أمام المخاوف لن يؤدي إلا إلى إضعاف الروح العامة، ويقولون إن المهرجان إذا كان قد أُلغي فكان ذلك بمثابة انتصار للخوف، وهو ما لا يريدونه.

النساء بدورهن وضعن لمسات خاصة على المناسبة سواء عبر تحضير منتجات منزلية مرتبطة بالعنب أو المشاركة في أجنحة المهرجان.، ففي نظر كثير منهن فإن الحضور والمساهمة في هذه الفعالية يمثل شكلاً من أشكال التحدي والصمود، ورسالة بأن الحياة اليومية لا يمكن أن تُختطف بالكامل لصالح الصراع.

أيضا التجار المحليون ينظرون إلى المهرجان أيضاً كبوابة لترويج منتجاتهم غير الزراعية، من الحلويات إلى الصناعات اليدوية ما يعني أن أي اضطراب لن يصيب قطاع العنب فقط بل سيترك أثره على حركة السوق بشكل عام. ولذلك فإن خسارة المهرجان تعني ضربة لاقتصاد المدينة الصغير والمتنوع.

في خلفية المشهد، يقف شبح الاحتلال الذي يترصد أي توتر ليستثمره، وهو ما يضاعف قلق الأهالي من أن تتحول أي مواجهة محدودة إلى ذريعة لاقتحام واسع، وهنا يصبح المهرجان ليس مجرد مناسبة اقتصادية أو اجتماعية، بل اختباراً لقدرة المجتمع على إدارة التوازن الدقيق بين الفرح والنجاة.

ربما يكون إصرار الأهالي على تنظيم الفعالية رغم التحديات نوعاً من المقاومة الناعمة التي تعكس تمسك الفلسطينيين بحقهم في الفرح بعيداً عن صورة المدينة كـ«ساحة مواجهة دائمة»، فإبقاء المهرجان قائماً هو محاولة لتثبيت صورة أخرى لجنين، مدينة تنتج الحياة قبل أن تُنتج المواجهة.

في المقابل، فإن تجاهل المخاطر قد يقود إلى نتائج عكسية، إذ قد يضع المشاركين والزوار في دائرة الخطر المباشر إذا ما اندلعت اشتباكات في محيط الفعالية، وهو تحذير يضع المنظمين أمام مسؤولية مضاعفة في ضمان الأمن وتفادي أي احتكاك قد يجرّ تدخلات خارجية.

لكن رغم هذا القلق، تظل روح التحدي حاضرة في النقاش العام، فكثيرون يعتبرون أن الغياب عن المهرجان أشبه بترك فراغ قد يُملأ باليأس، لذلك فضلوا الحضور ولو تحت وطأة الخوف، لأن مجرد الوجود في الساحة يمثل في حد ذاته رسالة صمود.

أمينة خليفة

زر الذهاب إلى الأعلى