الزواج في زمن الأزمات مقاربة نفسية علمية في القرار والمسؤولية
الزواج في زمن الأزمات مقاربة نفسية علمية في القرار والمسؤولية
بقلم: د. علاء الدين محمد عبد العاطي
خاص – قناة المواطن
في ظل أزمات متلاحقة تضرب الاستقرار النفسي والاجتماعي، يفتح هذا المقال ملف الزواج من زاوية علم النفس، متجاوزًا الخطاب العاطفي إلى قراءة عقلانية عميقة في القرار والتبعات. طرح جريء يعيد تعريف الزواج بوصفه مسؤولية وعي قبل أن يكون ارتباطًا عاطفيًا.
لا يُعدّ الزواج مجرد ارتباط عاطفي أو تقليد اجتماعي، بل هو أحد أكثر القرارات المصيرية تعقيدًا وتأثيرًا في حياة الإنسان، لما يحمله من أبعاد نفسية واقتصادية واجتماعية ممتدة. ومن منظور علم النفس، يُنظر إلى الزواج بوصفه مؤسسة إنسانية تقوم على التوافق النفسي، والقدرة على تحمّل الضغوط، وإدارة التحديات المشتركة ضمن بيئة مستقرة نسبيًا. غير أن اتخاذ هذا القرار في سياق الأزمات يطرح إشكاليات عميقة تتطلب قراءة واعية ومسؤولة.
أولًا: الاستقرار النفسي تحت وطأة الأزمات
تُخلّف الأزمات الممتدة – سواء كانت اقتصادية، أمنية، أو اجتماعية – آثارًا مباشرة وعميقة على الصحة النفسية للأفراد. فالقلق المزمن، الإحساس الدائم بعدم الأمان، وفقدان القدرة على التخطيط للمستقبل، كلها عوامل تُضعف التوازن النفسي وتستنزف الطاقة الانفعالية.
وتشير الدراسات النفسية إلى أن الزواج في بيئات غير مستقرة قد يرفع من احتمالية النزاعات الزوجية، نتيجة تراكم الضغوط النفسية، وضعف القدرة على الاحتواء المتبادل، ما يحوّل العلاقة من مساحة دعم إلى ساحة صراع.
ثانيًا: البعد الاقتصادي والاجتماعي للقرار
لا ينفصل الزواج عن واقعه المعيشي، إذ يحتاج إلى حدٍّ أدنى من الاستقرار الاقتصادي، مثل توفر السكن والدخل المنتظم والقدرة على تلبية الاحتياجات الأساسية. وفي ظل غياب هذه المقومات، تصبح مسألة الإنجاب وتربية الأطفال تحديًا مضاعفًا، ليس فقط من حيث المعيشة، بل من حيث الأثر النفسي طويل الأمد.
ويؤكد علم النفس التنموي أن الطفل الذي ينشأ في بيئة يسودها عدم الأمان والحرمان يكون أكثر عرضة للاضطرابات النفسية وصعوبات التكيف الاجتماعي في مراحل لاحقة من حياته.
ثالثًا: المسؤولية الفردية والبعد المجتمعي
قرار الزواج في أوقات الأزمات لا يقتصر أثره على الفردين فقط، بل يمتد ليشمل البنية الاجتماعية ككل. فزيادة الأعباء الأسرية في ظل أوضاع اقتصادية وخدمية هشّة قد تسهم في تفاقم مشكلات مجتمعية قائمة، مثل البطالة، ضعف الخدمات، وتراجع الصحة النفسية العامة.
ومن هنا، يتحوّل الزواج من قرار شخصي بحت إلى مسؤولية فردية ذات انعكاسات جماعية.
الزواج بين الرغبة والوعي
من منظور علم النفس، لا يعني التحفظ على الزواج في زمن الأزمات الدعوة إلى تعطيل سنة الحياة أو مصادرة الحق في الفرح، بل هو نداء للتفكير العقلاني المسؤول.
السؤال الجوهري ليس: هل نرغب في الزواج؟
بل:
-
هل نمتلك الاستقرار النفسي الكافي لتحمّل تبعاته؟
-
هل نملك الحد الأدنى من القدرة الاقتصادية؟
-
وهل نستطيع توفير بيئة آمنة ومتوازنة لشريك الحياة وللأطفال مستقبلًا؟
إن طرح هذه الأسئلة لا ينتقص من قيمة الزواج، بل يمنحه عمقًا ونضجًا أكبر. فكلما كان القرار مبنيًا على وعي شامل بالواقع، تحوّل الزواج إلى مساحة دعم نفسي وبناء إنساني، لا إلى عبء إضافي في زمن مثقل بالأزمات.
خلاصة
في زمن الأزمات، يصبح الزواج اختبارًا للوعي قبل أن يكون استجابة للرغبة. هو فعل مسؤول يوازن بين الحاجة الطبيعية للاستقرار العاطفي ومتطلبات الواقع القاسي، ليكون خطوة مدروسة نحو مستقبل أكثر توازنًا وأمانًا.
بقلم: د. علاء الدين محمد عبد العاطي
خاص – قناة المواطن
رابط الكاتب: د. علاء الدين عبد العاطي






