“إن وصلتكم كلماتي… فقد قتلتني إسرائيل” — وصية الشهيد أنس الشريف تهز القلوب

في كلمات وداع تهز القلوب وتختصر حكاية شعب تحت النار، نشر إدارة صفحة الشهيد أنس جمال الشريف، ابن مخيم جباليا، وصيته الأخيرة، بعد أن ارتقى برصاص وقصف الاحتلال الإسرائيلي، مؤكدًا ثباته على المبدأ وتمسكه بفلسطين حتى اللحظة الأخيرة.
بدأ الشريف وصيته بالقول: “إن وصلَتكم كلماتي هذه، فاعلموا أن إسرائيل قد نجحت في قتلي وإسكات صوتي”، مضيفًا أنه كرّس حياته ليكون سندًا وصوتًا لشعبه منذ طفولته في أزقة المخيم، وظل يحلم بالعودة إلى بلدته الأصلية عسقلان المحتلة “المجدل”، لكن مشيئة الله كانت أسبق.
روى الشهيد في وصيته ما عاشه من ألم وفقد، وكيف لم يتوقف يومًا عن نقل الحقيقة كما هي، بلا تحريف أو تزوير، داعيًا إلى التمسك بفلسطين وأطفالها المظلومين الذين سُحقت أحلامهم تحت القصف، وإلى عدم السماح للقيود والحدود بإسكات أصوات الأحرار.
وأوصى الشهيد بأسرته، موجهًا رسائل حب ووفاء لابنته شام وابنه صلاح، ووالدته التي كانت دعواتها حصنه ونور طريقه، وزوجته التي وصفها بـ”جذع زيتونة لا ينحني” رغم فراق الحرب الطويل. ودعا الجميع للالتفاف حولهم ومساندتهم بعد رحيله.
واختتم وصيته بالدعاء أن يتقبله الله في الشهداء، وأن يكون دمه نورًا يضيء درب الحرية لشعبه، مضيفًا: “لا تنسوا غزة… ولا تنسوني من صالح دعائكم بالمغفرة والقبول”.
وأكدت إدارة صفحته أن هذه الكلمات المؤثرة كان أنس قد أوصى بنشرها حال استشهاده، لتبقى شاهدًا على صموده وإيمانه بعدالة قضيته حتى آخر لحظة في حياته.
النص الكامل لوصية الشهيد أنس الشريف:
هذه وصيّتي، ورسالتي الأخيرة.
إن وصلَتكم كلماتي هذه، فاعلموا أن إسرائيل قد نجحت في قتلي وإسكات صوتي.
بداية السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
يعلم الله أنني بذلت كل ما أملك من جهدٍ وقوة، لأكون سندًا وصوتًا لأبناء شعبي، مذ فتحت عيني على الحياة في أزقّة وحارات مخيّم جباليا للاجئين، وكان أملي أن يمدّ الله في عمري حتى أعود مع أهلي وأحبّتي إلى بلدتنا الأصلية عسقلان المحتلة “المجدل” لكن مشيئة الله كانت أسبق، وحكمه نافذ.
عشتُ الألم بكل تفاصيله، وذُقت الوجع والفقد مرارًا، ورغم ذلك لم أتوانَ يومًا عن نقل الحقيقة كما هي، بلا تزوير أو تحريف، عسى أن يكون الله شاهدًا على من سكتوا ومن قبلوا بقتلنا، ومن حاصروا أنفاسنا ولم تُحرّك أشلاء أطفالنا ونسائنا في قلوبهم ساكنًا ولم يُوقِفوا المذبحة التي يتعرّض لها شعبنا منذ أكثر من عام ونصف.
أوصيكم بفلسطين، درةَ تاجِ المسلمين، ونبضَ قلبِ كلِّ حرٍّ في هذا العالم.
أوصيكم بأهلها، وبأطفالها المظلومين الصغار، الذين لم يُمهلهم العُمرُ ليحلموا ويعيشوا في أمانٍ وسلام،
فقد سُحِقَت أجسادهم الطاهرة بآلاف الأطنان من القنابل والصواريخ الإسرائيلية، فتمزّقت، وتبعثرت أشلاؤهم على الجدران.
أوصيكم ألّا تُسكتكم القيود، ولا تُقعِدكم الحدود، وكونوا جسورًا نحو تحرير البلاد والعباد، حتى تشرق شمسُ الكرامة والحرية على بلادنا السليبة.
أُوصيكم بأهلي خيرًا،
أوصيكم بقُرّة عيني، ابنتي الحبيبة شام، التي لم تسعفني الأيّام لأراها تكبر كما كنتُ أحلم.
وأوصيكم بابني الغالي صلاح، الذي تمنيت أن أكون له عونًا ورفيق دربٍ حتى يشتدّ عوده، فيحمل عني الهمّ، ويُكمل الرسالة.
أوصيكم بوالدتي الحبيبة، التي ببركة دعائها وصلتُ لما وصلت إليه، وكانت دعواتها حصني، ونورها طريقي.
أدعو الله أن يُربط على قلبها، ويجزيها عنّي خير الجزاء.
وأوصيكم كذلك برفيقة العمر، زوجتي الحبيبة أم صلاح بيان، التي فرّقتنا الحرب لأيامٍ وشهورٍ طويلة، لكنها بقيت على العهد، ثابتة كجذع زيتونة لا ينحني، صابرة محتسبة، حملت الأمانة في غيابي بكلّ قوّة وإيمان.
أوصيكم أن تلتفوا حولهم، وأن تكونوا لهم سندًا بعد الله عز وجل.
إن متُّ، فإنني أموت ثابتًا على المبدأ، وأُشهد الله أني راضٍ بقضائه، مؤمنٌ بلقائه، ومتيقّن أن ما عند الله خيرٌ وأبقى.
اللهم تقبّلني في الشهداء، واغفر لي ما تقدّم من ذنبي وما تأخّر، واجعل دمي نورًا يُضيء درب الحرية لشعبي وأهلي.
سامحوني إن قصّرت، وادعوا لي بالرحمة، فإني مضيتُ على العهد، ولم أُغيّر ولم أُبدّل.
لا تنسوا غزة…
ولا تنسوني من صالح دعائكم بالمغفرة والقبول.
أنس جمال الشريف
06.04.2025
هذا ما أوصى بنشره الحبيب الغالي أنس عند استشهاده.
إدارة الصفحة







