آخر الأخبارشؤون فلسطينية

الزراعة في غزة تحت الحصار: “سلة الغذاء” في مهب الدمار والتجويع

في مشهد يلخّص المعاناة المركّبة لسكان قطاع غزة، يتعرض القطاع الزراعي لدمار ممنهج يهدد الأمن الغذائي الفلسطيني ويقوّض قدرة المواطنين على الصمود، وسط استمرار الحرب والحصار الإسرائيلي الخانق.

قال محمود فؤاد مصبح، رئيس مجلس إدارة الجمعية الزراعية التنموية ورئيس اتحاد الفلاحين في المحافظة الوسطى، إن الزراعة في غزة لم تعد مجرد قطاع إنتاجي، بل تمثل “حجر الزاوية في صمود الإنسان الفلسطيني”، مشدداً على الاستعداد للتعاون مع أي جهة محلية أو دولية تقدم الدعم لإنقاذ ما تبقى من هذا القطاع الحيوي.

ورغم جهود الجمعية الزراعية لتحديد احتياجات المزارعين ووضع خطط إنعاش للقطاع، إلا أن الواقع الميداني يكشف عن كارثة مستمرة. فقد أدت إغلاقات المعابر ومنع إدخال المستلزمات الزراعية، إلى جانب السيطرة الإسرائيلية على مساحات شاسعة من الأراضي، إلى تفاقم الأزمة وتعميق آثارها على المزارعين.

“نكبة زراعية” شاملة

وصف المهندس ياسر العويدات، رئيس لجنة طوارئ المحافظات الجنوبية في وزارة الزراعة، الوضع الحالي بـ”النكبة الزراعية”، مشيراً إلى أن الأراضي الصالحة للزراعة تقلّصت من 70-80% من مساحة القطاع إلى أقل من 6% فقط، بحسب تقارير دولية حديثة.

وأكد العويدات أن الاحتلال دمّر المحميات الزراعية والمزارع الحدودية، ما تسبب في فقدان الاكتفاء الذاتي واضطرار غزة إلى استيراد الخضروات بأسعار باهظة، وأضاف: “الاحتلال لا يكتفي بالحصار، بل يمنع إدخال البذور والأسمدة ومستلزمات الزراعة، ما يهدد بفشل الموسم القادم”.

انهيار في قطاع الإنتاج الحيواني

الدمار لم يقتصر على المحاصيل، بل امتد ليطال قطاع الإنتاج الحيواني أيضاً. وقال المهندس عادل عبد الحميد البلبيسي من قسم الإنتاج الحيواني إن قطاع الدواجن انهار بشكل شبه كامل، ما أدى إلى اختفاء اللحوم البيضاء والبيض من الأسواق بعد تدمير الفقاسات والمزارع.

وأشار البلبيسي إلى أن “كل ما بني خلال سنوات دُمر في أيام، حتى المشاريع التي كانت في طور التشغيل لم تسلم من الاستهداف”.

محاولات للإنعاش وسط الرماد

ورغم الظروف القاسية، تواصل الجمعية الزراعية جهودها لإنقاذ ما يمكن إنقاذه. وقال الدكتور ناهض حماد، مدير برامج المشاريع في الجمعية، إن الأخيرة وقّعت عدة اتفاقيات مع مؤسسات دولية لتقديم دعم مباشر للمزارعين، وخاصة أصحاب الحيازات الصغيرة.

وتشمل المشاريع إنشاء مشاتل زراعية ومبادرات للزراعة المنزلية، بهدف تمكين الأسر المتضررة من تأمين قوتها اليومي وتقليل الاعتماد على الاستيراد.

شهادة من الميدان: “أرضي تحولت إلى ركام”

يحكي المزارع سعيد سليم أبو سليم من مدينة دير البلح قصته بمرارة، بعد أن دُمّرت أرضه الزراعية المقدّرة بـ40 دونمًا خلال العدوان الأخير، والتي كانت مصدر دخله الوحيد. يقول: “خسرت أكثر من 20 ألف دينار، ولم أتلقَ أي دعم. انتظرت 20 عاماً بعد دمار عام 2000، وها أنا أبدأ من الصفر مجددًا”.

وأشار أبو سليم إلى أنه اضطر في وقت سابق إلى بيع جزء من أرضه لإعادة إعمار ما تم تجريفه، إلا أن الارتفاع الحاد في التكاليف وانعدام الدعم جعلاه اليوم غير قادر على النهوض مجددًا. واختتم بالقول: “أحيوا المزارع لا تميتوه… من دون دعم لا يمكننا الاستمرار”.

الزراعة تحتضر.. والأمن الغذائي في مهب الريح

ليست الأزمة الزراعية في غزة مجرد أضرار مادية، بل تمثل استهدافًا ممنهجًا للأمن الغذائي الفلسطيني، ومحاولة لتقويض مقوّمات البقاء والصمود. وأكد المهندس محمود مصبح في ختام حديثه أن “ما يحدث اليوم هو شهادة وفاة للقطاع الزراعي”، داعيًا إلى تدخل عاجل وإنقاذي يعيد الحياة للأرض والمزارع قبل فوات الأوان.
زياد عوض

زر الذهاب إلى الأعلى