فخ احتيال الأراضي في القدس الشرقية .. كتبت أمينة خليفة

في ظل تصاعد التحذيرات من ممارسات احتيالية تتعلق ببيع الأراضي، لجأ عدد من خبراء العقارات في القدس الشرقية مؤخرًا إلى وسائل التواصل الاجتماعي لإطلاق حملة توعية موجهة إلى السكان الفلسطينيين، يحذرونهم فيها من تنامي حالات الاحتيال العقاري التي تستهدف المواطنين الباحثين عن شراء أراضٍ للبناء أو الاستثمار.
وبحسب ما نشره هؤلاء الخبراء، فيبدو أن العديد من السكان وقعوا ضحية لعمليات بيع أراضٍ بناء على معلومات مضللة أو غير دقيقة، وفي بعض الحالات، تم إقناع المشترين بأن الأراضي المعروضة مسجلة رسميًا وصالحة للبناء القانوني، ليتبين لاحقًا أن الوثائق المقدمة إما غير مكتملة أو تُخفي قيودًا قانونية أو تنظيمية كبيرة، مثل وجود رهون، أو نزاعات ملكية، أو كون الأرض خاضعة لقيود تخطيط تمنع إصدار تراخيص البناء.
لذلك كان من المهم على الخبراء نشر سلسلة من الإرشادات التفصيلية التي توضح الخطوات الواجب اتباعها لتفادي الوقوع في الفخ، ولتكن الخطوة الأولى والأهم هي الحصول على رقم القسيمة ورقم القطعة من البائع، وهما العنصران الأساسيان للتحقق من صحة أي إدعاء بخصوص ملكية الأرض أو قابليتها للبناء.
كما من المهم التوجه مباشرة إلى مكتب تسجيل الأراضي الرسمي، بدلًا من الاعتماد على وثائق خاصة أو ضمانات شفهية أو حتى توقيعات من جهات غير مخوّلة قانونيًا، وهذت لأن أي صفقة لا تعتمد على السجلات الرسمية فتكون عرضة للشك، خاصة في مدينة كالقدس، حيث تتشابك القوانين وتتعقد حالات الملكية.
ربما يكون التحقق القانوني أيضًا هو وسيلة للتأكد من هوية المالك المسجل، وعدد الملاك في حال وجود شراكات، والمساحة الدقيقة للأرض، فضلًا عن أي أعباء قانونية مثل الرهون أو الدعاوى القضائية المرفوعة ضد العقار، وهناك بعض الأراضي، حتى وإن كانت مملوكة بشكل قانوني، فقد تقع ضمن مناطق تخطيط يمنع فيها البناء وفقًا لقوانين التنظيم والبناء السارية في المدينة، وهو ما يجعل الحصول على ترخيص بناء أمراً مستحيلاً، رغم أن الأرض “صالحة” من الناحية الورقية.
وعلى المشترين أن يعتمدوا على ضمانات من جهات فلسطينية أو جهات محلية غير رسمية، وهو ما يُعد مجازفة كبيرة في السياق القانوني المعقد لمدينة القدس، لأن بدون وجود تسجيل رسمي معتمد من الجهات المختصة، لا يمكن للمشتري المطالبة بحقوق قانونية واضحة أو استصدار تراخيص بناء لاحقًا.
لذلك من المهم زيادة وعي السكان وتعزيز ثقافة التحقق قبل الشراء، وهذا لأن الحفاظ على الحقوق العقارية للفلسطينيين في القدس الشرقية يتطلب حذرًا شديدًا وإجراءات قانونية سليمة.
وفي ظل الواقع القائم، فإن أي تهاون في التحقق من الوضع القانوني للأرض قد يعني ضياع المال، بل وأحيانًا الوقوع في نزاعات قانونية معقدة تمتد لسنوات، خاصة وأن الملكية العقارية في القدس الشرقية تتسم بتعقيد قانوني كبير، نتيجة لتداخل الأنظمة القانونية الإسرائيلية والفلسطينية، وغياب سجل عقاري موحد وواضح في بعض الأحياء.
وهناك كثير من الأراضي لم تُسجل بعد بشكل نهائي، أو تم تسجيلها بأسماء ورثة دون إتمام معاملات الفرز والتقسيم، وهو ما يجعل عملية البيع عرضة للنزاع أو التلاعب، لذلك فإن هذه الفجوة القانونية يستخدمها البعض لتسويق أراضٍ لا يمكن التصرف فيها قانونيًا.
وكان من أبرز مظاهر الاحتيال التي تم التحذير منها أيضًا، هو اعتماد البعض على سماسرة غير مرخصين، يقدمون وعودًا مغرية بأسعار منخفضة أو “صفقات حصرية”، دون تقديم مستندات قانونية سليمة، وقد تبين في عدد من الحالات أن هؤلاء السماسرة تورطوا في بيع نفس قطعة الأرض لأكثر من مشتري في نفس الوقت، أو قدموا أوراقًا مزورة أو منتهية الصلاحية، ما تسبب في خسائر مالية فادحة للمشترين.
لذلك من المهم الابتعاد عن ذلك، في سياق أوسع يتعلق بمحاولات تهويد القدس وتغيير تركيبتها السكانية، إذ يُخشى أن بعض الصفقات المشبوهة قد تُستخدم كغطاء لنقل ملكية الأراضي إلى جهات تعمل لصالح مشاريع استيطانية أو منظمات تسعى للسيطرة على العقارات الفلسطينية، ما ينذر بخطورة عدم التحقق القانوني الدقيق قبل إتمام أي عملية بيع أو شراء
في ضوء هذه التحديات، لابد من تنظيم السوق العقاري في القدس الشرقية من خلال تفعيل دور الجهات الرسمية، وتقديم خدمات استشارية وقانونية مجانية أو مدعومة للفلسطينيين المقبلين على شراء أراضٍ، وعلى المجتمع أيضا أن يعي خطورة التعاملات العشوائية، وإنشاء منصات إلكترونية توضح حالة الأراضي وتاريخها القانوني، مما يسهم في الحد من ظاهرة الاحتيال ويعزز الأمن العقاري في المدينة.