واضع “خطة الجنرالات” يتحدث عن مزاعم نتنياهو بشأن احتلال غزة

يرى واضع “خطة الجنرالات” غيورا آيلاند، أن مشكلة رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو في قطاع غزة، هي نفسية، بعدم قدرته على التراجع عمّا وعد به من أهداف حرب الإبادة، وأن هذا حدث لقادة آخرين حول العالم في السابق، فيما يجب عليه اتخاذ قرار الآن. وترى جهات إسرائيلية عدّة، ما بين مسؤولين ومحليين عسكريين، أن قرار احتلال القطاع بالكامل يفتقر لأيّ منطق.
ويقدّر مسؤولون في جيش الاحتلال الإسرائيلي، وفق ما نقلته هيئة البث الإسرائيلي (كان) اليوم الأربعاء، أن عملية عسكرية واسعة النطاق لاحتلال قطاع غزة ستكلّف أثماناً باهظة، تشمل مقتل عشرات الجنود وإصابة عدد كبير منهم. كما أثيرت مخاوف من أن مثل هذا التحرك قد يؤدي إلى مقتل المحتجزين الإسرائيليين في غزة، سواء على يد محتجزيهم كردة فعل، أو عن طريق الخطأ من القوات الإسرائيلية نفسها.
في غضون ذلك، من المتوقّع أن يعرض رئيس الأركان إيال زامير، على المجلس الوزاري للشؤون السياسية والأمنية (الكابينت) غداً، توصيات الجيش والتداعيات الاستراتيجية المحتملة، إلى جانب التحفظات بشأن تنفيذ عملية احتلال كاملة للقطاع. ولفتت “كان” إلى أنه لا إجابة واضحة لدى المستوى السياسي بعد، عن السؤال المتعلق بالأهداف بعد احتلال غزة، ولا عن قضية السيطرة على مليوني فلسطيني يعيشون فيها.
وخلال المناقشات الأخيرة، طُرحت أيضاً مسألة إمكانية فرض حكم عسكري إسرائيلي في القطاع، وما قد يترتب على ذلك من تداعيات سياسية وأمنية.
ويؤكد الجنرال آيلاند، في مقال كتبه اليوم في موقع والاه، وهو تكرار لما قاله مساء أمس للقناة 12 العبرية أيضاً، أنه يجب اتخاذ قرار. حيث أوضح أن “نتنياهو الذي يميل عادة إلى المماطلة، لا يمكنه هذه المرة أن يتجنب اتخاذ قرار. لا يمكن البقاء في الوضع الحالي، فالجيش الإسرائيلي يراوح مكانه بلا جدوى”، زاعماً أن “الأسوأ من ذلك أن حماس تحصل على كل ما تريده”.
ويشبه آيلاند الوضع مجازاً، بالوقوف على مفترق طرق، يتطلب التوجه يميناً أو يساراً. ويعني التوجّه إلى اليسار “الموافقة على صفقة بسيطة ومؤلمة، تشمل إنهاء الحرب، وانسحاب قوات الجيش الإسرائيلي من غزة مقابل استعادة جميع المختطفين (المحتجزين الإسرائيليين في غزة). لقد حاول نتنياهو التذاكي، وبعد إهداره خمسة أشهر على نحو فادح، أدرك أن الصفقات الجزئية غير ممكنة، ولذلك من الصحيح الموافقة على صفقة شاملة واحدة، لكنه اشترط هذه الصفقة بموافقة حماس على نزع سلاحها، وهو مطلب غير واقعي”.
ويوضح واضع “خطة الجنرالات”، أن الموافقة على “صفقة بسيطة لإنهاء الحرب مع إدراك أن حماس ستستمر في السيطرة على غزة تنطوي على شعور قاسٍ بالفشل، وهو أمر يتعارض بشدة مع وعود نتنياهو بالنصر المطلق. هذا خيار سيئ، لكنه أقل سوءاً من البديل”، الذي يعني الانعطاف يميناً وتوسيع الحرب.
ويشير آيلاند إلى أن القرار الذي يبدو أنه يتبلور هو استكمال السيطرة على القطاع كله، وهذا “قرار يفتقد تماماً أي منطق. فمن جهة، الأثمان المترتبة عليه مؤكدة. مثل هذا التحرك سيعرض حياة المختطفين للخطر الشديد، وذلك لسبب بسيط هو أنهم لن يتمكنوا من البقاء على قيد الحياة عدة أشهر إضافية حتى انتهاء العملية. كذلك، سيتكبد الجيش الإسرائيلي خسائر كبيرة، تماماً كما حدث خلال عملية عربات جدعون، حيث قُتل أربعون جندياً، وهو عدد يساوي ضعف عدد المختطفين الذين انطلقت العملية – نظرياً – من أجل إنقاذهم”.
ومن الأثمان التي تحدّث عنها، الحاجة لتعبئة كبيرة لقوات الاحتياط، واستنزاف الجنود، والتكلفة الاقتصادية المرتفعة، وازدياد حدة المواجهة بين إسرائيل والمجتمع الدولي، فيما لا مؤشرات واضحة على أن هذا المسار سيؤدي إلى “إنجاز حقيقي” لإسرائيل، أو تغيير جذري في الوضع.
ويعتقد آيلاند، أن نتنياهو غير قادر نفسياً على اتخاذ القرار الصحيح، الانعطاف يساراً والموافقة على إنهاء الحرب في غزة مقابل استعادة جميع المحتجزين، مضيفاً: “ليس نتنياهو وحده، فحتى قادة أعظم منه واجهوا صعوبة في اتخاذ القرار الصحيح في ظروف مشابهة. في ستينيات القرن الماضي، لم يتمكن الرئيسان جون كينيدي وليندون جونسون من اتخاذ القرار الصائب بإنهاء الحرب في فيتنام. وحده الرئيس ريتشارد نيكسون، الذي جاء بعدهما ولم يكن متورطاً في القرارات الخاطئة التي عمّقت الحرب، استطاع في مرحلة معينة أن يتخذ قرار الانسحاب”.
كما يرى المصدر ذاته، أن على من يؤيدون احتلال قطاع غزة بكامله، وعلى رأسهم نتنياهو إن قرر الإقدام على ذلك، أن يشرحوا للجمهور، لماذا، حسب تقديره، “وبالرغم من الفشل حتى الآن، ستنجح إسرائيل هذه المرة في تحقيق الأهداف الثلاثة للحرب من خلال خطوة هجومية مشابهة، وفي منطقة مكتظة بالسكان بشكل خاص. يجب تقديم شرح مهني واضح لكيفية حدوث ذلك، ومن المشكوك فيه أن يكون رئيس الوزراء قادراً على إعطاء أي شخص تفسيراً مقنعاً في مسألة مصيرية كهذه”.
بدوره، كتب المحلل العسكري في صحيفة هآرتس العبرية عاموس هارئيل، اليوم، أن التصريحات بشأن احتلال قطاع غزة تصطدم بالواقع الميداني، مضيفاً أنه بالرغم من الإحاطات التي تشير إلى أن نتنياهو مصمم على توسيع القتال، فإن وضع القوات والتعزيزات المطلوبة يترك مجالاً للشك.
وتساءل الكاتب إن كان نتنياهو جاداً في نياته لشن هجوم شامل، في وقت تبقى القوات في القطاع في حالة ركود منذ فترة طويلة؟ مضيفاً: “هناك اختبار بسيط نسبياً، هو أنه للسيطرة على الربع المتبقي من أراضي القطاع، والمناورة ميدانياً في قلب مناطق دفعت إسرائيل إليها نحو مليوني فلسطيني، هناك حاجة إلى تعزيز القوات”، بينما “من المشكوك فيه أن تكون الوحدات النظامية كافية، خاصة وأن الجيش الإسرائيلي أخرج أخيراً العديد منها من القطاع، بناءً على توجيهات زامير الذي يرغب في منح الجنود فترة راحة. ويبدو أنه لا مفر من استدعاء جديد لقوات الاحتياط، خلافاً لجميع الخطط السابقة”.
وأوضح هارئيل أن “نقل مثل هذه القوات إلى القطاع قد يستغرق نحو أسبوعين، أما احتلال المناطق المتبقية وتطهيرها بشكل فعّال من المسلحين، فقد يستغرقان وفقاً للجيش سنة إلى سنتين. وطالما لا توجد حركة فعلية للقوات، ولا يوجد تحرك جدي داخل القطاع، يمكن الاستمرار في التشكيك (أي بشأن جدية نتنياهو)”.
ولفت هارئيل، إلى أن “لنتنياهو مصلحة في الحفاظ على نار المواجهة مع زامير، لأسباب متعددة: فهو يُظهر بذلك لشركائه من اليمين المتطرف أنه لا يتجاهل مطلبهم باحتلال كامل للقطاع، ويحاول تهديد حماس بعد تعثر المفاوضات بشأن صفقة الأسرى في ظل أزمة الجوع في غزة (أزمة يعود معظمها لقرارات نتنياهو نفسه)، كما أنه يُشغل الرأي العام عن إخفاقاته الشخصية، من خلال تصوير رئيس الأركان ككبش فداء محتمل، بعدما فشل الائتلاف الحكومي في الوفاء بوعوده بتحقيق نصر مطلق”.







