أقلام

“وقود الموت” يهدد أهالي الضفة الغربية … كتبت أمينة خليفة

في عملية أمنية نوعية نُفذت مؤخرًا، تمكنت الشرطة الفلسطينية من ضبط مئات اللترات من الوقود المغشوش والمُقلد في محافظة نابلس بالضفة الغربية، كاشفة بذلك النقاب عن شبكة تهريب معقدة تنشط في مناطق مختلفة من الضفة الغربية.

ويبدو أن هذا الوقود المهرّب لم يكن مجرد منتج غير قانوني فقط، بل يحمل في طياته خطرًا جسيمًا على حياة المواطنين، حيث تم خلطه بمواد كيميائية خطرة تُستخدم غالبًا لأغراض صناعية لا تمت بأي صلة لمجال الطاقة أو المحروقات.

ولكن إذا نظرنا في عمق ظاهرة الوقود المغشوش في الضفة الغربية، فنجد أنها ليست جديدة، لكنها شهدت تصاعدًا ملحوظًا في السنوات الأخيرة بفعل تراجع الرقابة على المعابر وانتعاش التهريب في ظل الأوضاع السياسية والأمنية المعقدة. وتُباع كميات كبيرة من هذا الوقود بأسعار أقل من السعر الرسمي، وهذا ما يجعلها جذابة للمستهلك الفلسطيني الذي يعاني من ارتفاع تكاليف المعيشة. إلا أن الخطورة تكمن في أن هذا الوقود يحتوي على مواد مسرطنة وسريعة الاشتعال تضر بالمركبات، وتعرض مستخدميه ومحيطهم لمخاطر انفجار أو تسمم.

وخلال الأسبوع الماضي، نفّذت الشرطة الفلسطينية عملية دقيقة بعد مراقبة استمرت لأسابيع، وأسفرت الحملة عن ضبط كميات ضخمة من الوقود المغشوش كانت مخبأة في مخازن غير مرخصة على أطراف مدينة نابلس، ويبدو أن عملية النقل تمت باستخدام صهاريج صغيرة بقيادة مسلحين يتبعون جماعات خارجة عن القانون، تقوم بتهريب الوقود من مناطق لا تخضع للسيطرة الأمنية الكاملة.

وغالبا ما تستخدم الشبكات الطرق الوعرة، وتقوم بتوزيع الوقود من خلال تجار ثانويين لا يملكون ترخيصًا رسميًا، مستغلة حاجة السوق والطلب المرتفع، مما يجعل تعقبهم أمرًا معقدًا وخطيرًا.

ربما لا تعمل هذه الشبكات بمعزل عن الحماية المسلحة، خاصة وأن الأدلة الحالية تشير إلى تورط جماعات مسلحة محلية في تأمين طرق التهريب، وتوفير الغطاء الأمني للنقل والتوزيع، وغالبًا ما تندمج هذه الأنشطة ضمن تمويل أنشطة إجرامية أوسع، تشمل تهريب الأسلحة، والمخدرات، والابتزاز، ويمكن لهذا التداخل بين الاقتصاد غير المشروع والسلاح زيادة تحديات بسط النظام في مناطق النفوذ الهشة.

ولكن أخطر ما في هذه الظاهرة هو الاستهانة بأرواح الناس، فالوقود المغشوش قد يتسبب بانفجارات داخل المركبات، أو حرائق داخل المنازل التي تُستخدم فيها مولدات تعمل على الوقود، كما أن استنشاق الأبخرة المنبعثة من هذه المواد الملوثة يهدد صحة الأطفال والبالغين على حد سواء، ناهيك عن الأثر التراكمي على البيئة.

وفي الوقت ذاته، فإن انتشار مثل هذه الظواهر يضرب الثقة في الأسواق، ويضع المواطن أمام خيارات محدودة بين الغش والمخاطرة أو الحرمان من الخدمة.

وبالنسبة للمواجهة، فأظهرت الشرطة الفلسطينية التزامها المستمر باتخاذ إجراءات حازمة ضد مروجي هذا الوقود القاتل، خاصة وأن الحملة الأخيرة جاءت ضمن استراتيجية أشمل لمكافحة الجرائم المنظمة. لكن التحديات هائلة، بدءًا من نقص الموارد البشرية والتقنية، مرورًا بتعقيدات الجغرافيا، وانتهاءً بتورط عناصر مسلحة تعرقل جهود الضبط والملاحقة.

ربما يمكن مواجهة هذا الخطر، ليس فقط بالعمل الأمن، ولكن بتفعيل رقابة صارمة على الأسواق، وتشديد العقوبات على المهربين والمروجين، وزيادة التنسيق بين المؤسسات الرسمية لضمان تتبع مصادر الوقود المشبوه، كما من المهم إطلاق حملات توعية مجتمعية لتثقيف المواطنين حول مخاطر شراء الوقود من مصادر غير مرخصة، وتشجيعهم على الإبلاغ عن المخالفات.

وفي النهاية، فالوقود المغشوش ليس مجرد عملية احتيال اقتصادي، بل تهديد مباشر لأمن وصحة المجتمع، كما أن التصدي له يتطلب تكاتفًا شعبيًا ورسميًا، وتحقيقًا فعليًا لمبدأ سيادة القانون، فكل لتر من الوقود المغشوش يُباع هو قنبلة موقوتة، ومعركة من أجل الحياة.

زر الذهاب إلى الأعلى