
بعد أن فقد اطفالنا التعليم لعامين متتالين، واصبحوا يمتهنون مهن لم تخطر على بالهم في زمن المقاعد الدراسية.
ابني عشر سنوات يجري اليوم وراء سيارات المياه الحلوة، ويشتري لنا خشب لإشعال النار، ويشعلها أحيانا بنفسه لعمل الشاي والقهوة، ويجري هنا وهناك في الشوارع، ولم تعد المدرسة في ذاكرته، ومثله ٱلاف الطلاب والطالبات الذين تغيرت أنماط حياتهم كليا في خيام النزوح.
كيف يمكن في يوم ما أن تقنع هؤلاء الأطفال بأن التعليم مهم لحياتهم ومستقبلهم، بعد أن أصبحت مدارسهم مأوى للنازحين، أو دمرت ولم يعد ثمة مدرسة. وترسخت في أذهانهم أن البسطة في السوق أهم من المدرسة، وأن المزاحمة على مراكز توزيع المساعدات أهم من التعليم.
بعد عامين من التشرد، ولا ندري كم من السنوات سيستمر التشرد، قد يتحول هؤلاء الأطفال من طلاب علم إلى بلطجية ولصوص، لأنهم فقدوا القيم الاجتماعية والأخلاق المجتمعية التي يتربى عليها الطفل، وأصبحت حياة النزوح والتشرد أداة تربية وتعليم لقيم ومفاهيم جديدة بعيدة كل البعد عن قيم المجتمع التي تربينا عليها، وعاهدنا أنفسنا أن تربي عليها أبناءنا، لم يعد النازح متفرغا للتربية أمام قسوة الحياة، فترك أطفاله لتربية الخيام ومخيمات النزوح.
مشكلة التعليم وبناء الأجيال الجديدة، وعودة التربية والأخلاق وقيم المجتمع، أصبحت اليوم من الضروريات في ظل حرب الإبادة وتداعياتها الخطيرة على قيم المجتمع.
يجب أن تقف الحرب لنستطيع ترميم ما دمرته الحرب من قيم واخلاق، قبل أن تنهار كليا، وتعم الفوضى والجريمة، ويفقد الكبار السيطرة على الصغار، وينتهي دور الأسرة، ويصبح الفرد ضمن جماعة مسؤولا من نشر الفوضى والعنف، وعندها ينهار المجتمع ولا أحد يستطيع السيطرة عليه إلا بقتل من يشيع الفوضى والعنف، وهنا سندخل في حرب أهلية ستدمر ما تبقى من أسس المجتمع الفلسطيني.
يجب أن تقف الحرب، لكي نبدأ في أعمار المدارس، ونعيد للتعليم والمعلم هيبته، ونعيد بناء الطفل والطفلة، والفتى والفتاة، بالتربية والأخلاق أولا، ثم بالتعليم على قيم التسامح والمحبة بين أفراد المجتمع الواحد، ونعيد بناء القيم الاجتماعية والعادات والتقاليد في نفوسهم، لكي تعود هيبة المجتمع والأسرة في اعينهم. والأهم إعادة بناء التكوين النفسي لهم، وتغيير أفكارهم من فكر الخيمة وتداعياتها، إلى فكر المدرسة ومستقبلها.
أوقفوا الحرب .. لكي نضع اللبنة الأولى في بناء الإنسان الفلسطيني قبل بناء جدران منزله، لكي يحافظ على وجوده مستقبلا.
غزة: اليوم ال700 لحرب غزة 5/9/2025





