أقلام

من النجاة إلى القوّة: نساءُ غزة يصنعن الحياة من قلب الحرب -كتب زياد عوض

بقلم: زياد عوض
في هذا العالمِ الذي لا يهدأ اضطرابه، كانت المرأة وما تزال في مقدِّمة الصفوف؛ تقاوم، وتُداوي، وتشدُّ من أزر الحياة كلّما أحاط بها الموت. وفي اللحظة التي تتعرّض فيها نساءُ غزة وفتياتُها لأبشع ما يمكن للإنسان أن يشهده من قهرٍ وتهجيرٍ وعنف، تُعلن انطلاقة حملة “16 يومًا لمناهضة العنف ضد النساء” تحت شعار بليغ يختصر الحكاية:
“من النجاة إلى القوّة النساء يُعدن بناء فلسطين.”

شعارٌ مُفعمٌ باليقين بأن المرأة، مهما عضّها الألم، قادرة على الوقوف من جديد.
ولم تكن غزة وحدها في هذا الميدان؛ فها هي العربيات من حولها يمددن اليد ويفتحن قلوبهنّ للمساندة. برزت هديل الدالي، العاملة في الصليب الأحمر، مثالًا للجرأة الإنسانية، تُنقذ العائلات، وتخلي النساء من بؤر الخطر، ثابتة كأنها رايةٌ لا تُنكَّس مهما طال أمد الجراح.

ولم يكن العمل الإنساني بعيدًا عن الجهد الأممي، فها هي سوزانا تكاليك، نائب المنسّق العام للشؤون الإنسانية في الأمم المتحدة، تؤازر الجهود وتُسهم في دعم برامج تحمي النساء في أشدّ اللحظات قسوة.
وهنا يظهر الدور العربي ممثلًا في الأردنية نسرين كريشان من منظمة الأوتشا (OCHA)، التي حملت مسؤوليتها بصلابة، ووقفت في قلب العمل الإنساني لتمنح صوت المرأة مساحة لا تغيب في عالمٍ يزداد صخبًا ووجعًا.
وفي غزة، في قلب اللهيب، تصمد رائداتُ العمل النسوي المؤسسي صمودَ أشجارٍ تعرف سرّ البقاء.
فها هي شاهيناز مصلح، تفتح مدرسة للصغار لعامين كاملين، تعمل صباحًا ومساءً، تمنح الأطفال ملاذًا من الخوف، وتواصل قيادة مشاريع التمكين الاقتصادي للنساء، كأنها تهمس بأن الأمل هو الحصن الأخير الذي لا يُقهر.
وتتقدّم سماح أبو غياض بخطى لا تعرف التردد، داعمةً المراكز النسوية في القطاع، خصوصًا في النصيرات؛ تُنشئ مشاريع اقتصادية وزراعية وصحية، وتثبت بلا ضجيج أن العمل النسوي ركيزة من ركائز الصمود.
أما زينب الغنيمي، إحدى أبرز أعلام العمل النسوي في فلسطين، فقد اختارت البقاء في غزة، في بيتها، بين نسائها، رغم القصف والدمار. بقيت لتكون سندًا، وصوتًا، وجرس إنذار يذكّر العالم بأن المرأة هنا لا تغادر الميدان.
ولا يُذكر العمل النسوي إلا ويُذكر معه اسم آمال صيام، التي قادت مركز شؤون المرأة خلال حرب الإبادة، ليغدو المركز شاهدًا على الألم، ومرصدًا للحقيقة، ونافذةً تصل منها أصوات النساء إلى العالم.
ومن الجنوب تأتي سيرة فوزية جودة، التي قاومت النزوح المتكرر، وحافظت على جمعية الفكر الحر، وجعلت منها منارةً تضمد جراح النساء، وتعيد إليهن شيئًا مما أخذته الحرب.
وفي ذروة التشريد، تقف متي رستم، مديرة مركز الديمقراطية وحقوق العاملين، شامخة رغم أن بيتها في الزهراء قُصف، ورغم تنقّلها بين مراكز الإيواء. واصلت برامج دعم النساء، ونفّذت الدورات الاقتصادية، كأنها تُعلن أن الإرادة أكبر من كل ركام.
أما عزيز أبو صبرة، فكانت تعمل بصبرٍ جميل، تُنهض نساء الريف عبر التدريب والتشغيل في التصميم والخياطة، وتفتح لهنّ أبواب رزق وكرامة داخل جمعية المنال، تُعيد تشكيل مستقبلٍ حاولت الحرب إطفاء ملامحه.
وهكذا، تقف المرأة الفلسطينية لا كشاهدٍ على المأساة فحسب بل كخالقٍ للحياة من بين الركام.
هؤلاء النساء، بأسمائهنّ وتجاربهنّ وصبرهنّ، هنّ الحكاية التي ينبغي أن تُروى.
وهنَّ الدرس الباقي في ذاكرة العالم:
أن من رحمِ المعاناة تولدُ القوّة،

ومن قلب الخراب تنبعث فلسطين.

زر الذهاب إلى الأعلى