ورقة تقدير موقف: قرار مجلس الأمن 2803: الفرص.. المخاطر.. ومتطلبات المرحلة الجديدة في غزة
د. صلاح عبد العاطي

تمهيد:
يأتي قرار مجلس الأمن 2803 في لحظة حرجة للقضية الفلسطينية وقطاع غزة، بعد عامين من الإبادة الجماعية، التجويع، وانهيار المنظومة الإنسانية والصحية. يمثل القرار أول إطار دولي ملزم بوقف إطلاق النار وفتح ممرات المساعدات، وتشكيل إدارة دولية انتقالية وقوات متعددة الجنسيات لحفظ الاستقرار، مع خطوط عامة لإعادة الإعمار. لكنه يفرض تحديات ومخاطر كبيرة: أبرزها الوصاية الأمريكية، ربط الإغاثة والإعمار بالإصلاحات السياسية، ومحاولات نزع السلاح قبل إنهاء الاحتلال.
القرار جاء نتيجة توازنات القوى الدولية، واستمرار الانقسام الفلسطيني، وضعف النظام السياسي الفلسطيني، وحالة التفرد في السياسة والمقاومة، وضعف التضامن الشعبي في تجمعات فلسطينية أخرى، ما جعل المجتمع الدولي يركّز على قطاع غزة كأساس للتصور الدولي. لذلك، تُبرز أهمية التعامل البراغماتي للفصائل والمكونات الوطنية، مع توظيف الفرص المتاحة، وضمان استجابة فورية لحماية المدنيين، ومنع عودة الإبادة، وتسهيل إعادة الإعمار، وصولًا إلى إنهاء الاحتلال.
تسعى هذه الورقة إلى تقديم قراءة شاملة تجمع البعد السياسي، القانوني، الحقوقي، والإنساني، مع إبراز مواقف كافة الأطراف الفلسطينية والإقليمية والدولية، واستشراف السيناريوهات المستقبلية، وتقديم توصيات استراتيجية قابلة للتطبيق.
أولًا: حيثيات القرار ودلالاته
1. وقف إطلاق النار: دعوة لوقف شامل وفوري للأعمال القتالية في غزة، مع آليات مراقبة دولية.
2. حماية المدنيين والبنى المدنية: التأكيد على الالتزام بالقانون الدولي الإنساني وحماية المنشآت المدنية.
3. تسهيل المساعدات الإنسانية: فتح ممرات آمنة وتسهيل دخول الإغاثة تحت إشراف دولي.
4. فتح المعابر وضمان حرية الحركة: تشغيل المعابر كافة، بما فيها رفح، تحت إشراف دولي–فلسطيني.
5. إعادة الإعمار: خطة دولية مرتبطة بإصلاحات فلسطينية، مع متابعة وتنفيذ دولي.
6. الترتيبات الأمنية والرقابة الدولية: قوة متعددة الجنسيات لتثبيت وقف النار ومنع التصعيد.
7. المسار السياسي: الالتزام بحل الدولتين، وربط الاستقرار بمسار سياسي أوسع.
8. دور السلطة الفلسطينية: استعادة قدرة السلطة على الحكم عبر إصلاحات سياسية وأمنية وإدارية.
9. رفض التغيير الديمغرافي والتهجير: منع أي محاولة لتهجير السكان أو فرض ترتيبات ديمغرافية جديدة.
10. دور الدول الإقليمية: دعم مشاركة مصر والدول العربية الأخرى في الترتيبات الإنسانية والأمنية.
11. المساءلة وآليات التنفيذ: محاسبة من ينتهك القانون الدولي، مع متابعة دورية من الأمين العام.
ثانيًا: المخاطر والتحديات
1. تقويض حق تقرير المصير وإعادة إنتاج الوصاية عبر إدارة انتقالية دولية.
2. تهميش المساءلة القانونية وغياب آليات واضحة لمحاسبة إسرائيل.
3. ربط الإعمار والمساعدات بشروط سياسية قد تُستغل كورقة ضغط.
4. استغلال القرار لنزع سلاح الفصائل قبل الانسحاب الكامل.
5. إعادة إنتاج الفصل بين غزة والضفة وتكريس الانقسام.
6. تقوية النفوذ الأمريكي–الإسرائيلي و اضعاف السيادة الفلسطينية وتقليص الدور العربي.
7. إضعاف السلطة ومنظمة التحرير أو استخدامهما كواجهة شكلية.
8. خطر التصادم المجتمعي والأمني إذا مارست القوة الدولية دور الشرطة بدل الحماية.
9. إقصاء الأونروا وتهديد حقوق اللاجئين وحق العودة.
10. تصوير غزة كمنطقة نزاع مسلح وتجاهل الاحتلال وجرائم إسرائيل.
11. تأجيل الحل السياسي واستبداله بإدارة أزمة مؤقتة دون أفق لإنهاء الاحتلال.
ثالثًا: الفرص الإيجابية
1. تثبيت وقف إطلاق النار دوليًا والحد من العمليات العسكرية والإبادة.
2. تدفق المساعدات الإنسانية بشكل مراقب دوليًا، والتخفيف من المجاعة والانهيار الصحي.
3. فتح نافذة لإعادة الإعمار ضمن مسؤولية المجتمع الدولي.
4. تحريك المسار السياسي الدولي وإعادة القضية الفلسطينية إلى صدارة مجلس الأمن.
5. تحسين موقع الفلسطينيين في القانون الدولي.
6. تعزيز الدور العربي والإقليمي، خصوصًا مصر، للحد من التفرد الأمريكي–الإسرائيلي.
7. دعم الموقف التفاوضي الفلسطيني وربط وقف النار بالانسحاب ورفع الحصار.
8. تقليص حرية الحركة الإسرائيلية وفرض ضغط سياسي وقانوني.
9. تفكيك مبررات الحرب الإسرائيلية وتعزيز إمكانية إدانتهم دوليًا.
10. توليد زخم للوحدة الفلسطينية وإعادة بناء النظام السياسي على أسس الشراكة.
رابعًا: مواقف الأطراف المختلفة
السلطة الفلسطينية: فرصة للعودة التدريجية لغزة واستعادة الشرعية، مع تحديات شعبية وانتقادات داخلية.
الفصائل الفلسطينية: رفض نزع السلاح قبل إنهاء الاحتلال، مع التركيز على المعادلة: وقف النار + انسحاب إسرائيلي + رفع الحصار + إعادة الإعمار + حماية حق المقاومة.
إسرائيل: موافقة شكلية، واستغلال بنود القرار لنزع السلاح والحفاظ على السيطرة الأمنية.
الولايات المتحدة: إدارة الملف لمنع الانهيار الإنساني وتوجيه النظام السياسي بما يتوافق مع مصالح إسرائيل.
الدول العربية والإقليمية: دعم وقف إطلاق النار والإغاثة، تعزيز الدور المصري والعربي، ورفض أي إدارة دولية تقلص الحقوق الفلسطينية.
المجتمع الدولي: ملتزم بالآليات الإنسانية ودعم الحقوق الفلسطينية، ولكنه معرض للتسييس والتحكم في الإعمار.
موقف الشارع الفلسطيني
يركز على: وقف الإبادة، ضمان تدفق المساعدات، إعادة الإعمار، ثم تحقيق الوحدة الوطنية، إنهاء الاحتلال، إقامة الدولة، ومساءلة مرتكبي الجرائم.
خامسا :السيناريوهات المحتملة
1. التنفيذ الجزئي: وقف هش لإطلاق النار، تحسين محدود للوضع الإنساني، استمرار المناورات الإسرائيلية، تكريس الوصاية، وفرصة لإعادة بناء النظام السياسي إذا صدقت النوايا.
2. التنفيذ الكامل: وقف دائم لإطلاق النار، استجابة إنسانية واسعة، إعادة الإعمار، ترتيبات أمنية دولية، عودة السلطة، ومسار سياسي مشروط يحتاج إرادة دولية قوية.
3. التعطيل الإسرائيلي: استمرار القتال، حصار المساعدات، ضرب أي ترتيبات فلسطينية، كارثة إنسانية جديدة، وتهجير قسري.
4. السيناريو الفلسطيني والعربي المضاد: وحدة وطنية، استراتيجية قانونية وحقوقية وإنسانية شاملة، قيادة موحدة، مؤتمر اعادة الاعمار ، دعم عربي ، ربط أي ترتيبات بإنهاء الاحتلال، واستثمار اللحظة الإنسانية والدولية لتحقيق مكاسب وطنية.
سابعًا: التوصيات
1. المستوى الفلسطيني
أ. تبني مقاربة براغماتية واقعية: استثمار الفرص لوقف الإبادة، تثبيت الممرات الإنسانية، وبدء التعافي دون الانغماس في شعارات بلا حماية.
ب. تشكيل لجنة الإسناد الوطنية: إشراف على جهود الإغاثة والتعافي والإعمار، وضمان الشفافية ومنع التفرد الإسرائيلي أو تدخلات ضعيفة.
ج. ربط أي ترتيبات أمنية بانسحاب الاحتلال: أي قوة حماية دولية أو ترتيبات أمنية مرتبطة بخطة زمنية واضحة لإنهاء السيطرة العسكرية الإسرائيلية.
د. دمج واستثمار الجهود المصرية والعربية: دعم المصالحة الوطنية، إعادة الإعمار، وتوحيد المؤسسات الفلسطينية ضمن إطار شفاف وفعّال.
هـ. تعزيز صمود الفلسطينيين ومنع التهجير: حماية المدنيين ومخيمات النزوح، وضمان وصول المساعدات، وتشكيل حائط صد عربي ودولي ضد التهجير القسري.
و. بناء استراتيجية دفاع فلسطينية وقيادة موحدة: توحيد الجهود السياسية والميدانية والقانونية والدبلوماسية، وتنسيق كافة القوى الوطنية والفصائل ومكونات المجتمع المدني.
ز. البناء على صعود السردية الفلسطينية وحركة التضامن الدولية: استثمار الزخم العالمي للقضية الفلسطينية إعلاميًا وقانونيًا ودبلوماسياً، وتوظيف حركة المقاطعة (BDS) لتعزيز الضغط الدولي.
ح. تعزيز المسار الدولي لمساءلة الاحتلال: البناء على المسارات القضائية الدولية، إطلاق حملات دولية منظمة لفرض العقوبات وحظر السلاح على إسرائيل، وإنشاء تحالف دولي للضغط والمساءلة.
2. المستوى العربي والإقليمي:
دعم الدور القيادي المصري في تثبيت وقف إطلاق النار والممرات الإنسانية وإعادة الإعمار واستعادة الوحدة الوطنية.
إنشاء منصة عربية لمتابعة تنفيذ القرار والتنسيق مع الأمم المتحدة لضمان استقلالية العملية الإنسانية.
تعزيز التمويل العربي للإعمار وتخصيص آلية رقابية عربية–فلسطينية دولية لضمان الشفافية.
تشكيل حائط صد امام التعنت الإسرائيلي والضغط من اجل حماية المدنيين وانسحاب إسرائيل من القطاع واعادة الاعمار.
3. المستوى الدولي:
ممارسة ضغط فاعل على إسرائيل لضمان دخول المساعدات وإعادة الإعمار دون عرقلة.
دعم الجهود المصرية والعربية لعملية الإعمار ومنع أي ترتيبات تمنح الاحتلال صلاحيات مالية أو أمنية.
مراقبة عمل قوة الاستقرار الدولية لضمان التزامها بالقانون الدولي الإنساني وعدم تحولها لذراع للسياسات الأمريكية أو الإسرائيلية.
دعم الفلسطينيبن لاعادة بناء المؤسسات الفلسطينية وتجسيد الاعتراف العملي بالدولة الفلسطينية على حدود 1967.
الخاتمة:
يمثل قرار مجلس الأمن 2803 محطة سياسية معقدة، تجمع بين الفرص والمخاطر. فرغم كونه جاء نتيجة توازنات دولية وظروف فلسطينية داخلية صعبة، إلا أنه يفتح نافذة لضمان وقف الإبادة وافشال مخططات الاحتلال وإدخال المساعدات، وبدء الإعمار.
التحدي الأساسي يكمن في قدرة الفلسطينيين على امتلاك زمام المبادرة، تعزيز صمود الناس، منع التهجير، وضمان استمرار عمل وكالة الغوث الدولية، ربط كل ترتيبات المرحلة الانتقالية بمسار إنهاء الاحتلال وتجسيد الدولة الفلسطينية على حدود 1967.
كما ان قرار مجلس الأمن 2803، رغم المخاطر، يمثل فرصة تاريخية لحماية المدنيين، تعزيز الاستجابة الإنسانية، وإعادة الإعمار دون شروط مسبقة. مع إدارة فلسطينية–عربية ودولية ذكية، تقف علي راسها الجهود المصرية التي تشكل رافعة مركزية لا غنى عنها، ويجب احتضانها كشريك استراتيجي، لضمان
الحقوق الفلسطينية الأساسية. واضافة الي الاستجابة ودعم الجهود المصرية في اعادة بناء المؤسسات الفلسطينية على أسس ديمقراطية بعد فشل الإصلاح والمصالحة على مدار اكثر من 20 عامًا.
كما ان استثمار التضامن الدولي وتفعيل مسارات المساءلة الدولية يمكن ان يساهم في تحسين اليات التنفيذ ، وربط أي ترتيبات أمنية بخروج إسرائيل وإنهاء الاحتلال .
ويجب هما استثمار الدور العربي والإسلامي لتوفير دعم مستدام وحماية المدنيين، وتحويل القرار إلى نقطة انطلاق لتعزيز الاستجابة الإنسانية، التعافي، الإعمار، واستعادة الحقوق الفلسطينية، وحماية الشعب من الإبادة أو التهجير.
ويبقى السؤال المركزي: هل سينجح الفلسطينيون في تجاوز الانقسام والارتقاء بمستوى المسؤولية الوطنية لمواجهة المخاطر والتحديات الوطنية والإقليمية والدولية؟






