أقلام

في المخيمات… حيث يقف اللاجئون وحدهم أمام غيابٍ لا يليق

بقلم : زياد عوض

في المخيمات الفلسطينية كلِّها، من شمال الوطن إلى جنوبه، مشهدٌ يتكرّر حتى ليكاد يصبح قدرًا مكتوبًا: رجالٌ ونساءٌ وأطفالٌ يقفون أمام مقارّ الأونروا، يرفعون الصوت دفاعًا عن التفويض الدولي، حمايةً لخدمات اللاجئين، وتذكيرًا للعالم بأن بقاء هذه الوكالة ليس ترفًا، بل ضرورةٌ حياة.
يقفون… ولكن وحدهم.

ولقد شهدتُ فيما شهدت هذه الوقفات، وغطّيت فعالياتها، وانتقلت بين مخيمٍ وآخر، فلم أرَ موظفًا واحدًا من موظفي الأونروا، ولا فردًا من أسرهم، يشارك في هذا الوقوف الذي يُفترض أن يكون صفًّا واحدًا، لا صفّين: صفًّا يقف، وصفًّا يغيب.
ولستُ أقول هذا تجنّيًا، ولا مبالغةً، فقد مررتُ بكل فعالية، وكنتُ أرى الوجوه المتعبة التي أثقلتها أعباء النزوح وقسوة العيش، أراهم يرفعون شعاراتٍ يعرفون معناها أكثر من غيرهم؛ لأنهم أول المتضررين إن توقفت الأونروا أو تقلّصت خدماتها، ولأنهم آخر من يملك رفاهية الانتظار.
أما موظفو الوكالة، الذين تقوم أدوارهم على خدمة هؤلاء الناس، فقد غابوا، وغاب معهم صوتٌ كان ينبغي أن يُسمع، ووجودٌ كان ينبغي أن يتصدّر هذا الدفاع، لا أن يتوارى عنه.
ولستُ أدري حقًّا أهو الغيابُ خشيةً أم تجاهلًا، أم هو شعورٌ بأن الأمر لا يعنيهم كما يعني هؤلاء الذين يعيشون كل تفاصيل الأزمة؟
أم هو ذاك الفصل الغريب الذي جعل اللاجئ وحده يحرس حقّه، بينما يتوارى عنه من وُكلت إليهم مهمّة حمايته؟

إن الوقفات التي تُقام اليوم ليست مناسبةً للاحتفال، ولا هي فعلًا من أفعال المبالغة؛ إنها صرخةٌ أخيرة يطلقها مجتمعٌ يتشبّث ببقايا ما بقي له من حياة، ويذكّر العالم بأن شدّة الحاجة لا يخففها الغياب، وأن غياب الموظفين لا يُعفيهم من مسؤوليتهم الأخلاقية والإنسانية، ولا يغيّر من حقيقة أن اللاجئ هو قلب القضية وروحها.

ولعلّ التاريخ، حين يكتب، لن ينسى أن اللاجئين وقفوا…
وأن غيرهم غاب.

زر الذهاب إلى الأعلى